التعليق علي المادة 64 من قانون الاجراءات المدنية والادارية.
تحليل نص المادة 64 من قانون الاجراءات المدنية والادارية
حالات بطلان العقود غير القضائية البطلان الاجرائي لأسباب موضوعية.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 64 ق ا م ا
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 64 ق ا م ا.
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 64 ق إ م إ : { حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها محددة على سبيل الحصر فيما يأتي :
- 1 انعدام الأهلية للخصوم ،
- 2 انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 64) في القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الاجراءات المدنية و الادارية .
و قد جاءت المادة في الكتاب الأول في الأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية , الباب الثالث في وسائل الدفاع, الفصل الثاني في الدفوع الشكلية , القسم الرابع في الدفع بالبطلان.
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 64 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية حيث جعلها تتألف من 3 ثلاث فقرات .
الفقرة الاولي : تبدأ من " حالات " وينتهي عند " فيما يأتي "،.
الفقرة الثانية : تبدأ من " إنعدام " وينتهي عند " للخصوم "،.
الفقرة الثالثة : تبدأ من " إنعدام " وينتهي عند " المعنوي "،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت فقرات المادة 64 ق ا م ا و الادارية محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع البطلان الاجرائي لأسباب موضوعية،و كمثال على ذلك نشير إلى :
" بطلان العقود " ، " غير القضائية " ، "إنعدام الأهلية " ، " التفويض ".وغيرها من المصطلحات التي تفيد موضوع البطلان الاجرائي لأسباب موضوعية .
البناء المنطقي :
نلاحظ ان المادة 64 ق إ م إ بدأت بعبارة " حالات بطلان "وهنا المشرع يقصد بطلان العقود غير القضائية و يقصد بها العقود الرسمية المحررة خارج مرفق القضاء وهي حالات محددة علي سبيل الحصر ثم في الفقرة الثانية من المادة يبين أولي الحالات حيث ذكر عبارة إنعدام " ويقصد إنعدام الأهلية و في الفقرة الثالثة و الأخيرة يبين الحالة الثانية وهي إنعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي .
- يلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 64 ق إ م إ يتضح أن حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها أنه جزاء إجرائي ضروري وفعال ليس فقط لحماية شكليات الأعمال الإجرائية بل ينتقل لحماية حقوق الخصوم و طبعا حقهم في الدفاع , إن البطلان يقع على الإجراء الباطل كقاعدة عامة مبدئيا فإن ﺁثار البطلان تقتصر على العمل الإجرائي المطعون فيه، ولكن قد يتسع البطلان ليشمل كل الإجراءات المنجزة على أساس العقد الذي أبطل.
وأحيانا قد يكون الجزاء الذي يترتب على البطلان أكثر خطورة إذ يؤدي إلى سقوط الحق ذاته.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 64 ق إ م إ يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهو بطلان الأعمال الإجرائية من حيث الموضوع ؟ وماهي إجراءات تصحيحه في التشريع الحزائري ؟.
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : بطلان الأعمال الإجرائية من حيث الموضوع
المطلب الأول : المقصود ببطلان العقود غير القضائية و الإجراءات
المطلب الثاني : حالات بطلان العقود غير القضائية و الإجراءات :
المبحث الثاني : تصحيح البطلان الإجرائي وحكمه في التشريع الجزائري
المطلب الأول : تصحيح البطلان الإجرائي
المطلب الثاني : حكم التصحيح الإجرائي في التشريع الجزائري
خاتمة
مقدمة :
تعود فكرة البطلان إلى الشرائع القديمة حيث كان يحتم استيفاء أشكال وصيغ وبيانات خاصة ، يجب مراعاتها حتما في أتفه التفصيلات و إلا سقطت الدعوى و الخصومة، ونظرا للمبالغة في التمسك بالشكليات قامت التشريعات بإيجاد نقطة التوازن بين التطبيق و إطاعة أوامر المشرع الخاصة بإجراءات التقاضي فظهر اتجاه آخر يعطي للمشرع صلاحية كبيرة في تقدير البطلان ، فله وحده حق تحديد البطلان في الحالات المحددة قانونا دون غيرها، فعرف هذا المبدأ لا بطلان إلا بنص في القانون، ولكن في حالة ما إذا أصيب المتقاضي بضرر حق له التمسك بالبطلان و إثبات الضرر، ومنه يقوم هذا المبدأ على وجوب تقرير البطلان، فيقال عنه مذهب " لا بطلان بغير ضرر " وهذا إذا ما أدت المخالفة الإجرائية إلى ضرر للمتقاضي، على هذا المذهب أنه يعطي سلطة تقديرية مطلقة للقاضي في تقدير الضرر، ويصعب عل المتقاضي إثبات هذا الضرر.
في حين ظهر مذهب آخر يدعى" البطلان لمخالفة قاعدة جوهرية" الذي يعطى للقاضي صلاحية تقدير القاعدة الإجرائية المنتهكة و أثر المخالفة على حسن سير الخصومة لتقرير البطلان ، وهو بذلك يعتبر مذهبا يتسم بالمرونة ، ولكنه يدعو للتحكم لعدم وجود ضابط محدد يسترشد به القاضي في تحديد أثار المخالفة مما يؤدي إلى تباين الخصومات و صيرورة سلطة القاضي المطلقة
وباستقراء نصوص قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، نلاحظ أن المشرع الجزائري في تقريره للبطلان ، أخذ بعين الاعتبار القيمة الإجرائية للإجراء القضائي، فقد اعتمد على مذهب النص الصريح ومذهب البطلان الجوهري باستعماله مصطلح (يجب) لتأكيد على وجوب احترام الشكل .
يعد البطلان من أهم الجزاءات التي تلحق الأعمال الإجرائية ، فهو تكييف قانوني لعمل يخالف نموذجه القانوني مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار القانونية التي يرتبها عليه القانون إذا كان صحيحا ، فالمشرع يحدد عناصر العمل و الشروط الواجب توافرها فيه لترتيب الأثار القانونية ، فإذا لم تتوافر هذه العناصر أو شابها عيب فإنها لن تكون ويعتبر العمل باطلا.
ولما كان الحكم القضائي آخر الأعمال الإجرائية التي تنتهي بها الخصومة القضائية ، وتعلن فيه إرادة القانون ، فإنه أكثر عرضة للبطلان كونه الأكثر ارتباطا بغيره من الإجراءات لذلك قام المشرع بتنظيم طرق الطعن في الأحكام القضائية من شأنها أن تكون كوسائل لإبطال الحكم.
المبحث الأول : بطلان الأعمال الإجرائية من حيث الموضوع.
يفترض في العمل الإجرائي أن يتم وفق نمط معين كفله القانون، فلا يجوز مخالفة هذا الطريق وممارسته على نحو آخر، فقد افترض القانون في الإجراءات التي رسمها أن ذلك يحقق العدالة
وعندما يختار القانون الأعمال أو الوقائع التي يرتب آثارها عليها؛ فإنه يضع لها نماذج وشروط معينة، يتطلب في كل نموذج مقتضيات معينة.
المطلب الأول : المقصود ببطلان العقود غير القضائية و الإجراءات :
في البداية، نقول بأن هذا النوع من العقود أو إن شئت قل هذا النوع من التسمية لم يسبق لقانون الإجراءات المدنية الجزائري أن عرفه، ، فهي إذا تسمية حديثة العهد بالولادة، جاء بها قانون الإجراءات المدنية و الادارية الجديد , إذا العقود غير القضائية كما سبق ذكره هي مصطلح دخيل على القانون الجزائري يقصد بها ، العقود الرسمية المحررة خارج مرفق القضاء ، التي يحررها المحضر القضائي ، أما بالنسبة للإجراءات من حيث موضوعها، فإن التبليغ للقاصر يشكل حالة من تلك الحالات .
يقصد بالعقود غير القضائية أو الأصح الأعمال غير القضائية ، الأعمال القانونية التي تتم بمعرفة المحضر القضائي وتنتج أثارا قانونية ، بحيث لا تكون هذه الأعمال غير القضائية ، مرتبطة بدعوى قضائية مرفوعة أمام القضاء وهو أصل اصطلاح "غير قضائية" أي خارج نطاق دعوى مرفوعة أمام القضاء، ومثال ذلك محضر التنبيه بالإخلاء أو إنذار بالدفع ، بشرط عدم وجود دعوى قضائية مرفوعة للمطالبة بدفع الإيجار أو الطرد.
يتعلق البطلان بالعقود غير القضائية و الإجراءات من حيث موضوعها أي بما يتعلق بفحوى العقد ذاته ذلك أن مخالفة قاعدة أساسية أخطر من مخالفة قاعدة شكلية ولا يشترط في من يثير البطلان أن يثبت الضرر ولا أن يكون البطلان منصوص قانونا .
يتم التمسك بالبطلان لعيب في الموضوع عن طريق دفع إجرائي، وان كان هذا الدفع يخضع لقواعد خاصة أكثر مرونة تميزه بوضوح عن الدفع بالبطلان لعيب في الشكل، فيمكن إثارته في أية حالة كانت عليها الدعوى، ومثال ذلك قيام المحضر القضائي بالتبليغ خارج اختصاصه الإقليمي .
المطلب الثاني : حالات بطلان العقود غير القضائية و الإجراءات :
الأهلية هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وإبرام التصرفات القانونية التي تكسبه حقاً أو تحمله التزاماً. ولأهلية نوعان أهلية الوجوب وأهلية الأداء ويقصد بأهلية الوجوب الصلاحية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وأهلية الوجوب تثبت لكل الأفراد ومنذ الميلاد وبغض النظر عن السن أو مدى الإدراك والتمييز لدى الشخص، حيث تثبت أهلية الوجوب للصبي غير المميز وللمجنون بل إنها تثبت للجنين في بطن أمه ولكن تكون أهلية وجوب ناقصة تؤهل الجنين لاكتساب بعض الحقوق. أما أهلية الأداء وهي التي تعنينا في المقام الأول في دراستنا لموضوع الأهلية فتعني قدرة الشخص على إبرام التصرفات القانونية التي تكسبه حقاً أو تحمله التزاماً كالبيع أو الهبة أو الإيجار...الخ .
ويقصد بالتصرف القانوني اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين، وهذا يعني أن الإرادة هي قوام التصرف القانوني، وطالما أن أهلية الأداء تعني القدرة أو الصلاحية لإبرام التصرفات القانونية، فإن هذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن مناط أهلية الأداء هو التمييز، وعليه فإن مدى أهلية الأداء يختلف بحسب القدرة على التمييز لدى الشخص والقدرة على فهم ما يترتب على التصرف القانوني من نفع أو ضرر.
يتضح مما تقدم أن أهلية الأداء لا يتساوى فيها جميع الأشخاص بل تختلف من شخص لآخر بحسب مدى التمييز المتوافر لديه وبالتالي حسم الأمر بخصوص القدرة على إبرام كل أشكال التصرفات القانونية أو بعضها أو عدم القدرة على إبرام أي تصرف قانوني، أما أهلية الوجوب فتثبت لكل الأفراد ويتساوى فيها الجميع لأنها لا تتعلق بالقيام بتصرفات قانونية وإنما بكسب حقوق أو تحمل التزامات نتيجة لتمتع الشخص بالشخصية القانونية فقط ليس إلا، مع مراعاة التفرقة بين الوطنين والأجانب بهذا الخصوص وما يترتب على ذلك من آثار تتعلق بالقدرة على اكتساب كل الحقوق أو تحمل كل الالتزامات.
الفرع الأول : انتفاء الأهلية للخصوم (الاختصام أو التقاضي ).
القاعدة أن كل شخص أهل للاختصام، سواءا كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا فالقانون يعترف بحق التقاضي، لكل شخص بلا تمييز بسبب جنسيته أو دينه، وهي حرية من الحريات العامة التي تحميها الدساتير "، وحق من الحقوق اللصيقة بالشخص. ويراد بانتفاء الأهلية للتقاضي انتفاء أهلية اللجوء إلى القضاء، فهذه الأهلية تمتد إلى الشخص الأجنبي.
وتدور أهلية الاختصام مع الشخصية القانونية وجودا و عدما فهي توجد بوجود الشخص، وتزول بزواله.
بالنسبة إلى الشخص الطبيعي، فإنه يفقد الشخصية القانونية، وبالتالي أهلية الاختصام أمام القضاء بالوفاة، فإذا قيدت دعوى أو تم مباشرة إجراءات بعد الوفاة باسمه سواء كمدعي أو مدعى عليه، فتقع باطلة لقيام عيب موضوعي في الإجراءات.
فإذا رفعت الدعوى نيابة عن شخص توفي قبل رفعها أو رفعت ضد هذا الشخص فإن رفع الدعوى يكون باطلا، فإذا صدر حكم فيها فهو حكم باطل بطلانا لا يقبل التصحيح فلا يجوز حجية الأمر المقضي به.
وتفيد الممارسة القضائية من خلال العينات المتعلقة بالعيوب الموضوعية التالية :
1- جاء في اجتهاد المحكمة العليا في قرارها رقم 45573 المؤرخ في04-05-1988.
" أنه من المقرر أن القضية إذا لم تكن مهيأة للفصل فيها، وتوفي أحد الخصوم، فإن المحكمة تكلف كل ذي صفة لإعادة السير في الدعوى، ومن ثم فان القضاء بما يخالف هذا المبد أيعد خرقا للقواعد الجوهرية في الإجراءات، ولما كان الثابت أن المحكمة لم تأمر بإدخال الورثة بعد وفاة المستأنف ضده، واستمرت الدعوى باسمه فإن قضاة الموضوع بقضائهم كما فعلوا خرقوا القواعد الجوهرية في الإجراءات، ومتى كان ذلك توجب نقض القرار المطعون فيه مع الإحالة".
2- وفي قرار آخر للمحكمة العليا تحت رقم 398903 مؤرخ في 07-03-2007
" عن الوجه الأول المأخوذ من مخالفة قاعدة جوهرية في الإجراءات : ..أن إحدى المدعين وهي ل ي كانت متوفاة يوم إقامة الدعوى في 9 سبتمبر 2003 إذ يرجع تاريخ وفاتها بتاريخ 13 سبتمبر2000، حيث يتبين فعلا من القرار المطعون فيه أن الطاعن أثار الدفع بانعدام الصفة لدى إحدى المدعين لوفاتها قبل رفع الدعوى...، وحيث أنه يمكن إثارة هذا الدفع في جميع مراحل الدعوى، وحيث أن القرار المطعون فيه لم يرد هذا الدفع بالرغم من إجابة المطعون ضدهم بشأنه، ورغم أن الأمر يتعلق بصحة إجراءات الدعوى، وعليه يتعين القول أن الوجه المثار مؤسس وبدون حاجة للنظر في الأوجه الأخرى " .
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا حدث، وإن توفي أحد الخصوم أثناء سير الخصومة، فإن ذلك سوف يؤدي إلى انقطاع الخصومة بقوة القانون، ويكون تطبيق المادة 210 ق إم واجبا، ويكون كل إجراء يتخذ أثناء فترة الانقطاع باطلا.
ويأخذ حكم الشخص الطبيعي المتوفى، الشخص المعنوي الذي تزول شخصيته قبل رفع الدعوى، فتنعدم شخصيته القانونية بانحلاله ودمجه، وإتمام تصفيته وتزول أهليته للتقاضي أمام القضاء، وتعتبر الإجراءات التي تقام باسمه بعد ذلك باطلة لكونها مشوبة بعيب موضوعي، ويكون الشأن كذلك بالنسبة إلى الإجراءات التي يباشرها شخص معنوي لا وجود قانوني له، فشركة المحاصة مثلا، لا يمكنها أن تباشر إجراءات الخصومة لعدم امتلاكها الشخصية القانونية، وكذلك الشركة تهت التكوين، التي لم تكتسب بعد الشخصية القانونية، فليس لها أهلية الاختصام ، وقد نصت المادة 50 من القانون المدني : " يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان ...، ويكون لها خصوصا .. حق التقاضي . "
فالشركات التجارية، لا تتمتع بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري"، أما الجمعية، فلا تكتسب الأهلية القانونية للقيام بإجراءات قضائية صحيحة إلا بعد صدور قرار بالترخيص، وكذلك المنظمة النقابية، تكتسب الشخصية المعنوية، والأهلية للمثول أمام القضاء بمجرد تأسيسها.
وكذلك الأمر بالنسبة للتنظيمات المهنية، تتمتع بالأهلية لاختصام، ومنها منظمة المحامين"، فلا يمكن للجمعية أو المنظمة النقابية أو منظمة المحاماة مباشرة الإجراءات إلا بعد حصولها على الترخيص، والاعتماد، وتأسيسها طبقا للقانون، وإلا وقع الإجراء باطلا موضوعي.
ومع ذلك فقد يعترف المشرع لبعض المجموعات بأهلية الاختصام دون أن تثبت لها الشخصية القانونية، وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى الاعتراف لشركة لا تتمتع بالشخصية القانونية بأهلية سلبية (Passive) دون الأهلية الإيجابية (Active)، وذلك تمكينا للادعاء عليها بشخص ممثليها قصد إرغامها على تنفيذ التزامات تقيدت بها وتحاول التنصل من هذا التنفيذ"، كما اعترف للشركات الفعلية وللشركات المنحلة والتي هي قيد التصفية بالشخصية القانونية اللازمة لحاجة هذه التصفية.
ويلاحظ أن القانون يبيح أحيانا لبعض الأشخاص بمباشرة الدعاوى أمام القضاء كممثلين قانونيين عن شخص، أو شركة، مثل وكيل التفليسة الذي يمكنه طبقا للمادة 224 من القانون التجاري، مباشرة دعاوى المفلسين المتعلقة بذمته بمجرد الحكم بإشهار إفلاسه طيلة مدة التفليسة.
الفرع الثاني : انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.
ويقرر في هذا النص حالتين مختلفتين:
1- حالة انعدام الأهلية.
والمقصود منها تخلف الأهلية الإجرائية للخصم، ويقصد بها صلاحية الشخص للقيام بالأعمال الإجرائية وتلقيها وهي تقابل أهلية الأداء ، وقد تتوافر في الشخص أهلية الاختصام، ومع ذلك لا تثبت له الأهلية الإجرائية كما هي حالة القاصر الذي يقوم الولي، أو الوصي بتمثيله، فيباشر الأعمال الإجرائية نيابة عنه"، وهذه الأهلية تتأثر بقوة التمييز والإدراك، ولا يعتبر الشخص كامل الأهلية، إلا بعد بلوغه سن الرشد، ويختلف تحديد هذه السن بين بلد وأخرأ، إذ حدده القانون الوطني بتسعة عشر 19 سنة كاملة، ونصت المادة 40 من القانون المدني، على أن كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة لحقوقه المدنية وسن الرشد تسعة عشر 19 سنة كاملة، ونصت المادة 44 من القانون المدني أنه يخضع فاقد الأهلية، وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية، أو الوصاية أو القوامة ضمن الشروط والقواعد المقررة في القانون المدني.
وتفيد الممارسة القضائية هذه المسألة من خلال العينات التالية:
أ- استقر قضاء المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 10-01-1984 ملف رقم 28432،
" أنه متى كان من المقرر قانونا أن القاصر لم يبلغ سن الرشد القانوني، لا يمكن أن يؤسس نفسه طرفا مدنيا أمام القضاء لمباشرة حقوقه المدنية دون إدخال وليه في الدعوى، ومن نم فإن القضاء بخلاف ذلك مخالفا للقانون، وإذا كان الثابت، أن قاصرة أسست نفسها طرفا مدنيا أمام القضاء وطالبت الحكم بتعويض لها، فإن قضاة الاستئناف بإشارتهم، لذلك يدل على أنهم قبلوا ادعائها مدنيا رغم كونها لم تبلغ بعد سن الرشد القانوني لمباشرة حقوقها المدنية فإنهم بهذا القضاء ودون إدخال ولي القاصرة في الدعوى، خالفوا القانون، ومتى كان ذلك استوجب نقض قرارهم " .
فإذا أقدم قاصر على مباشرة إجراءات قضائية، أو إذا بوشرت هذه الإجراءات في مواجهته دون أن يقف إلى جانبه ممثله القانوني سواء كان الولي أو الوصي أو القيم، ترتب على ذلك بطلان هذه الإجراءات لعيب موضوعي وكذلك عند تعارض مصالح الولي مع مصالح القاصر، يعين القاضي متصرفا خاصا، ا كما نص المشرع في المادة 88 من قانون الأسرة، أن على الولي أن يستأذن القاضي عند التصرف في أموال القاصر كالبيع والقسمة والرهن وإجراء المصالحة، فلا يكفي أن يكون الشخص وليا عن الابن القاصر للتقاضي، كممثل له، وإنما يلزم الأذن برفع الدعوى.
و تنص المادة 13 من ق إ م إ أن القاضي يثير انعدام الأذن تلقائيا إذا ما اشترطه القانون.
ب- وهو المبدأ الذي استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا في قرارها رقم 51282 المؤرخ في 19-12-1988 أنه :
" من المقرر قانونا أن تقسيم عقار القاصر يستأذن الولي فيه القاضي وللأخير تقرير عدم وجود إذن برفع الدعوى متى كان ذلك لازما، فالقضاء بما يخالف المبدأ في خطأ تطبيق القانون، ولما كان ثابتا أن الطاعنة لم تستأذن المحكمة في تقسيم العقار وفي رفع الدعوى، وأن قضاة المجلس بتأييدهم للحكم القاضي لصحة الإجراءات خرقوا القانون . "
ج- وجاء في قرار المحكمة العليا رقم 167835 المؤرخ في 1998-05-17أنه :
" ولما كان ثابتا أن القضاة لما قبلوا استئناف أم المطعون ضدها وهي لم تكن طرفا في الخصومة، كما أن المطعون ضده لا زال قاصرا، وأن أباه هو ولي عنه حسب القانون، ولم يتوف بعد لكي تنوب عنه الأم، ومن ثم فإن القضاة بقضائهم، كما فعلوا قد خرقوا الأشكال الجوهرية في الإجراءات والقانون مما يستوجب نقض القرار . "
وتجدر الإشارة أن المشرع الفرنسي استعمل مصطلح انتفاء سلطة الخصوم أو سلطة شخص يظهر في القضية كممثل لشخص معنوي أو لشخص طبيعي ناقص الأهلية، لكن المشرع الوطني استعمل مصطلح الأهلية، وقد افتقد النص الفرنسي في خصوص هذه الحالة إلى دقة الصياغة، وبذلك فعبارة تخلف سلطة الخصم يقصد بها تخلق أهلية الخصم الإجرائية، وهذا بالرغم من اختلاف المصطلحين، الأهلية
capacité la والسلطة le pouvoir
ويظهر من السبب الثاني للبطلان لعيب موضوعي أنه يتعلق بانتفاء الصفة الإجرائية للخصم نفسه كالقاصر بالنسبة للشخص الطبيعي، وكذلك لدى الأشخاص المعنوية أنفسهم بانتفاء الصفة الإجرائية لمن يمثل الخصم سواء كان الخصم شخصيا طبيعيا أم شخصيا معنويا.
-2حالة انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي
فالقاعدة أن الشخص الاعتباري يتقاضى عن طريق من يمثله وفقا للقانون، أو نظامه الداخلي، سواء في ذلك الشخص الاعتباري العام أو الخاص، إذ يقتضي بطبيعته أن يمثله شخص طبيعي في الإجراءات فإذا صدر إجراء من ممثل الشخص الاعتباري دون أن يتوافر له سلطة اتخاذه، فإن هذا الإجراء يشوبه بطلان موضوعي.
وتنص المادة 828 من ق إ م إ بالنسبة للشخص الاعتباري العام أنه عندما تكون الدولة، أو الولاية، أو البلدية، أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية، طرفا في الدعوى بصفة مدعي أو مدعي عليه، تمثل بواسطة الوزير المعني، الوالي، رئيس المجلس الشعبي البلدي على التوالي، والممثل القانوني بالنسبة للمؤسسة ذات الصبغة الإدارية، وواضح من النص السابق أن الشخص الاعتباري يلزم تمثيله أمام القضاء من القائم بالتمثيل.
وتفيد الممارسة القضائية من خلال عرض العينات التالية :
لقد استقر قضاء المحكمة العليا على أن رئيس الدائرة يعد ممثلا لدائرة إدارية لا تتمتع بالشخصية المعنوية، والذمة المالية وليس لها أهلية التقاضي ، وجاء في قرار أخر للمحكمة العليا رقم 87924 المؤرخ في 16-07-1992، أنه :
" من المقرر أن الدولة معفاة من وجوب تمثيلها بمحامي أثناء التداعي أمام المحكمة العليا، وأن ذلك مشروط بضرورة تمثيلها من طرف الوكيل القضائي للخزينة ومتى لم يتحقق الشرط أعتبر مخالفا للقانون "
ويمكن للشخص الاعتباري الخاص بما له من أهلية أن يتقاضى أمام المحاكم بواسطة نائبه القانوني الذي يعبر عن إرادته ومن ذلك :
ففي شركة التضامن تنص المادة 554 من القانون التجاري، أن المدير المعين من الشركاء، هو الذي يمثل الشركة أمام القضاء، وفي الشركة ذات المسؤولية المحدودة، تنص المادة 577 من القانون التجاري، أنه إذا لم يحدد القانون الأساسي سلطات المديرين، تحدد وفقا للمادة 554 المذكورة أعلاه، وبالتالي فإن ممثل الشركة ذات المسؤولية المحدودة يمثلها مديرها.
وفي شركة المساهمة تنص المادة 638 من القانون التجاري على أن ممثل شركة المساهمة، هو رئيس مجلس الإدارة المعين من قبل مجلس الإدارة ذاته.
ولاشك أن تمثيل الجمعيات في دعواها أمام القضاء، يتم من طرف رئيس الجمعية باعتباره ممثل الشخص المعنوي، وقد استقر قضاء المحكمة العليا في قرارها رقم 143596 المؤرخ في : 20-07-1995 بأنه من المقرر أنه تكتسب الجمعية الشخصية المعنوية، والأهلية بمجرد تأسيسها ويمكنها حينئذ أن تمثل أمام القضاء و تمارس خصوصا حقوق الطرف المدني بسبب وقائع لها عدفة بهدف الجمعية وتلحق أضرارا بأعضائها الفردية أو الجماعية.
وقد نصت المادة 407 ق إ م إ، أنه : " يجب أن يتضمن محضر التبليغ الرسمي في أصله، ونسخه البيانات الأتية: - إذا كان طالب التبليغ شخصا معنويا، تذكر تسميته وطبيعته، ومقره الاجتماعي، وصفة ممثله القانوني او الاتفاقي، -اسم ولقب وموطن الشخص الذي تلقى التبليغ، وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي، يشار إلى طبيعته وسميته ومقره الاجتماعي واسم ولقب وصفة الشخص الذي تلقي التبليغ الرسمي، وإذا لم يتضمن محضر التبليغ البيانات المشار إليها أعلاه يجوز للمطلوب تبليغه الدفع ببطلانه قبل إثارته لأي دفع أو دفاع .
تنص المادة 408 ق إ م إ، أنه يجب أن يتم التبليغ الرسمي شخصيا، ويعتبر التبليغ إلى الشص المعنوي شخصيا، إذا سلم محضر التبليغ إلى ممثله القانوني، أو الاتفاقي أو لأي شخص تم تعيينه لهذا الغرض، وكذلك الإدارات والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية.
أما الشخص المعنوي الذي في حالة تصفية، فإن التبليغ الرسمي يتم بتوجيهه إلى المصفى.
وقد استعمل المشرع، مصطلح التفويض"، ويقصد بها انعدام سلطة الشخص كممثل عن الشخص الطبيعي، أو المعنوي ويظهر ذلك فيما يلي:
أ- انعدام سلطة الشخص كممثل الشخص فاقد الأهلية :
إن الشخص الذي يضر في المحاكمة كممثل لشخص فاقد الأهلية الإجرائية ) قاصر، أو محجور عليه) دون أن تكون له سلطة تمثيل هذا الأخير يجعل إجراءات المحاكمة مشوبة بعيب موضوعي، يؤدي إلى بطلانها، وأي تبليغ يوجه إليه يكون أيضا باطلا .
كذلك لا يصح التبليغ الحاصل إلى القاصر، أو المحجوز عليه، إذ يجب أن يوجه إلى من يمثله قانونا، أي إلى وليه أو وصيه أو القيم عليه، فتنص المادة 410 من ق إ م الفقرة الأخيرة: يجب أن يكون الشخص الذي تلقى التبليغ متمتعا بالأهلية، وإلا كان التبليغ قابل للإبطال .
ب- انعدام أهلية أو تفويض شخص يقوم بتمثيل أحد الخصوم أمام القضاء :
وهي حالة لم يذكرها المشرع الجزائري، ويتعلق الأمر بالتمثيل أمام القضاء الذي يجد مصدره في عمل إرادي ينسب إلى الخصم، ( التمثيل الإرادي) ، وسمي الوكالة بالخصومة ويترتب على انتفاء التوكيل المقرر للتمثيل أمام القضاء البطلان وتقوم المخالفة في حالتين محددتين وفق الحكم المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 64 من ق إم إ.
ب-1 - حالة انتفاء الأهلية :
وتتوافر هذه الحالة إذا عهد الخصم بمهمة تمثيله في الخصومة ومباشرة الإجراءات نيابة عنه، إلى شخص ينكر عليه القانون مباشرتها أمام المحكمة التي يباشر أمامها هذه الإجراءات، فلا يثبت لهذا الشخص أهلية مباشرة الإجراءات في هذه الحالة، وتكون الأعمال التي باشرها باطلة لهذا السبب، فمثلا في القانون الفرنسي إذا عهد الخصم إلى محام بمباشرة إجراءات أمام جهة الاستئناف، وتمثيله في هذه الخصومة، فإن الأعمال التي يباشرها تكون باطلة، لأن التمثيل القانوني أمام محكمة الاستئناف محصورة في طائفة وكلاء الدعوى (Avoues)، دون المحامين (Avocats)
نصت المادة 574 من القانون المدني أنه لابد من و كالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة لاسيما في البيع، والرهن، والتبرع، والصلح، والإقرار، والتحكيم، وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء.
وقد استقر اجتهاد المحكمة العليا في هذا الشأن من خلال العينات التالية:
ب.1.1- قرارها رقم 110096 المؤرخ في 15-11-1994
، الذي يتضمن أنه : " من المقرر قانونا أن الوكالة، أو الإنابة، هي عقد بمقتضاه يفوض شخص أخر للقيام بعمل لحساب الموكل، وباسمه، وأن الوكالة الخاصة الرسمية تصح للمرافعة أمام القضاء، ... ومن ثم يتعين القول، أن الزوج الذي وكل والده نيابة عنه بمتابعة إجراءات التقاضي في دعوى الطلاق موضوع النزاع الحالي- كان بناء على وكالة رسمية، التي تحدث آثارها القانونية عكس ما ذهبت إليه الطاعنة الأولى، لا تصح الوكالة في مثل هذه الحالات"..
وعلى ذلك إذا أقحم محامي على تمثيل خصم أمام القضاء في محاكمة دون أن يوكل من طرف هذا الأخير، فيكون التمثيل باطلا، وتبطل معه جميع الإجراءات المتعلق
بها فتكون مشوبة بعيب موضوعي، ونفس الشيء في الحالة التي يكون فيها المحامي، قد مثل الخصم بعد أن عزله هذا الأخير، أو بعدول الموكل، وتنتهي أيضا بموت الموكل أو الوكيل.
ب.2.1-وقد استقر قضاء المحكمة العليا في قرارها رقم 63539 المؤرخ في 27-06-1990
أنه " من المقرر قانونا أن الوكالة تنتهي بموت الموكل أو الوكيل، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون، ولما كان الثابت في قضية الحال: أن قضاة الموضوع بمصادقتهم على تقرير الخبير دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخ وفاة طرفي الوكالة يكونون قد خرقوا القانون، ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ".
ب-2- حالة انتفاء السلطة :
وتكون هذه الحالة عندما لا يقوم الخصم بتعيين ممثل له يقوم بتمثيله في الحالة التي يكون فيها التمثيل إجباريا بقوة القانون، وتخلف التمثيل في هذه الحالة يؤدي إلى بطلان العمل الإجرائي.
محاميا في رفع دعوى بشأن حق ليس له، فتنتفي الصفة بالنسبة فقد يوكل شخص للموكل وإن صح التمثيل القانوني، أما التمثيل القانوني فيتعلق بإجراءات الخصومة، والجدير بالذكر أن صحة التمثيل القانوني ليست من شروط قبول الدعوى، بل من شروط صحة إجراءات الخصومة.
وقد نصت المادة 10 من ق إ م إ أن تمثيل الخصوم بمحامي أمام جهات الاستئناف والنقض وجوبي، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، كما أنه لا يجوز تقديم عريضة الطعن بالنقض، وتسجيلها أمام المحكمة العليا، ولا تقديم مذكرة جواب على عريضة الطعن بالنقض، إلا إذا كانت موقعة من محام معتمد لدى المحكمة العليا.
المبحث الثاني : تصحيح البطلان الإجرائي وحكمه في التشريع الجزائري.
يعتبر العمل الإجرائي عملا قانونيا يقوم على مقتضيات موضوعية وشكلية، فاذا تخلف أحد هذه المقتضيات ترتب عليه جزاء قانوني هو البطلان، بالتالي يثار التساؤل حول ما إذا كان من الإمكان إنقاذ بعض الأعمال الإجرائية من الزوال إذا شابها عيب من العيوب الإجرائية.
فقد تترتب على الإجراء الباطل بعض الآثار القانونية، وذلك بشرط أن تتوفر فيه عناصر إجراء آخر صحيح أو إذا كان العمل مركبا يقبل التجزئة وكان شق منه صحيحا، فترتب الآثار بالنسبة لهذا الشق، هذا ما يعرف بنظرية تحول العمل الإجرائي أو انتقاصه، كما يمكن تصحيحه بالتكملة أو حدوث وقائع قانونية أخرى يترتب عليها زوال البطلان، فكل هذا سوف يتم معالجته في المطلب الأول، أما المطلب الثاني فسوف نقوم بدراسة آثار الحكم الصادر بقبول الدفع بالبطلان.
المطلب الأول : تصحيح البطلان الإجرائي.
نتطرق من خلال هذا المطلب إلى معالجة تصحيح البطلان الإجرائي، فنبين تعريفه، شروطه ثم أنواعه، بعدها نبين حكمه في التشريع الجزائري، هذا في الفرع الأول، أما الفرع الثاني نقوم فيه بدراسة سلطة القاضي في إجراء التصحيح.
الفرع الأول : تصحيح البطلان الإجرائي.
نبين في هذا الفرع معنى تصحيح بطلان العمل الإجرائي، والشروط الواجبة توافرها حتى يأخذ به، وأخيرا نتطرق إلى أنواعه.
أولا ـ تعريف التصحيح.
بتصحيح العمل الإجرائي الباطل أن يضاف إليه ما يكمله، أو يعدل ما يوجد به من عيوب تؤدي إلى بطلانه ، أما الأستاذ عبد الحكم فوده فقد عرفه كما يلي:" يقصد بالتصحيح إزالة البطلان ليصبح العمل الإجرائي صحيحا، بتخليصه مما يشوبه من نقص أو عيب، فإذا تعلق الأمر بنقص أضيف إلى العمل ما يكمله، أما إذا تعلق الأمر بعيب أزيل هذا العيب بعمل جديد.
من خلال التعريفين السابقين، يتضح جليا أن الحكمة والهدف من التصحيح أنه يؤدي دورا هاما في الحد من حالات الحكم بالبطلان حتى تستمر الخصومة، وتتحقق غايتها بغير العقبات التي قد يثيرها البطلان لأي عمل
ثانيا - شروط التصحيح.
يجب أن يتضمن التصحيح ما يرفع عن العمل ما يعيبه لكي يصحح العمل الإجرائي يتعين القيام بالأعمال التي تخلص العمل الإجرائي مما يشوبه، فإذا تعلق الأمر بنقص ما كإغفال أحد بيانات العريضة؛ فإنه يتعين أن يكون التصحيح بإضافة هذا البيان وتكملة العمل الإجرائي وذلك بالقيام بتبليغ عريضة أخرى تتضمن البيان الناقص.
أما إذا تعلق الأمر بتصحيح عيب في العمل الإجرائي كحال خطأ مادى شاب تاريخ تحديد الجلسة المقبلة أو مكان انعقادها؛ فإنه يتعين إجراء التصحيح بتبليغ الخصم بعريضة جديدة ينص فيها على البيان الصحيح للجلسة، أو مكان انعقاد المحكمة، وهو ما يعرف بعريضة تصحيح الخطأ المادي.
كما يجب أن يتم التصحيح خلال الميعاد القانوني، لأنه يجب أن يتم في الميعاد المحدد لاتخاذ الإجراء، فإذا لم يكن به ميعاد حددت المحكمة الميعاد اللازم للتصحيح ، مثال ذلك أن ترفع الدعوى بعريضة استئنافية ولكن دون أن تكون موقعة من محامي مقبول أمام جهة الاستئناف، فهذا الأمر يؤدي إلى البطلان، لكن يجوز تصحيحه بتكملة النقص والتوقيع عليها من محامي مقبول أمام هذه الدرجة شرط أن يتم التوقيع خلال المدة المحددة،
والمثال على ذلك القرار رقم 165510 مؤرخ في 06-05-1998 ، حيث قضى بأن عدم التوقيع على العريضة الافتتاحية للدعوى لا يترتب عليه أي بطلان، فيكفي لتصحيح هذا الإجراء أن يتمسك بها المدعي الأصلي وأن هذا الأخ لم يتنصل من العمل الذي قدمه إلى المحكمة وبالتالي متمسك بها. والتمسك بالعريضة الافتتاحية للدعوى يعد إجراء كافيا لتصحيحها فضلا عن هذا، يجب أن يتم التصحيح قبل الحكم بتقرير البطلان، أي أنه يجوز تصحيح الإجراء الباطل في الفترة بين التمسك بالبطلان وقبل صدور الحكم المقرر له.
إلى جانب هذا يجوز أيضا تصحيح الإجراء بالتكملة، ولو كان البطلان متعلق بالنظام العام ا ي يجوز تصحيح الإجراء الباطل ولو بعد التمسك بالبطلان.
كما يجب أن لا يكون الإجراء محل التصحيح معدوما؛ لأن الإجراء المعدوم لا يرد عليه التصحيح فالمعدوم غير قائم قانونا، علما أن التصحيح يرد على الإجراء الباطل.
- إضافة إلى ما سبق ،يجوز أن يكون التصحيح من الخصم الآخر، فلا يشترط التصحيح من نفس الخصم مباشر الإجراء، بل قد يتم من الخصم الآخر، فرفع دعوى على قاصر يؤدي إلى بطلان الإجراءات، لكن إذا حضر الولي في الجلسة يكون بذلك قد صحح الشكل فيزول البطلان.
ثالثاـ أنواع التصحيح.
للتصحيح ثلاثة أنواع والمتمثلة في التصحيح بالتحول، التصحيح بالتكملة، التصحيح بالانتقاص والتصحيح بوقائع قانونية لاحقة. هذا ما سنحاول أن نعالجه كما يلي.
أ - التصحيح بالتحول :
تصحيح الوضعية السابقة والاستفادة منه بشكل آخر، أخذا بالقاعدة الشرعية يقصد به القائلة (إكمال الكلام خير من إلغائه)، فإذا كان العمل القانوني الباطل يصلح لأنه يشكل عملا قانونيا آخر، فلا مانع من الأخذ بهذا العمل ، ويشترط لهذا التحول أن تكون العناصر الصحيحة أمثلة ذلك تحول الطلب العارض الباطل بناء على صالحة لتكوين عمل إجرائي أخر اواء ومن الحكم ببطلان المطالبة الأصلية إلى طلب أصلي إذا قدم أمام المحكمة المختصة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى ، كذلك تحول حلف اليمين الحاسم الباطل لعيب شكلي إلى إقرار قضائي صحيح كما يتحول أيضا الصلح غير الموثق من المحكمة لرجوع أحد الطرفين فيه إلى بيان كتابي صريح يقرر فيه المدعي - بموافقة المدعى عليه - ترك الخصومة، كما يمكن أن يتحول العمل
الإجرائي الباطل إلى عمل غير إجرائي أو عمل مادي، كما يمكن أن يتحول العمل الإجرائي الباطل إلى عمل غير إجرائي، أو عمل مادي ، كحالة تحول العمل الإجرائي الباطل إلى عمل غير مشروع مثلا قد يكون الدفع باطلا ولكنه إذا كان بسوء نية وترتب عليه ضرر للخصم إلتزم من قدمه بالتعويض.
بناء على ما سبق، نجد أن الإجراء الباطل يتحول إلى إجراء صحيح، وذلك طالما توافرت فيه عناصر إجراء آخر، ولو ثبت أن نية من قام بالعمل الإجرائي المعيب ما كانت لتتحول إلى العمل الصحيح، أي أن هذا التحول يتم بصرف النظر عن نية من قام بالعمل الإجرائي، واذا كان لا يشترط لتحول العمل الإجرائي اتجاه إرادة الأطراف إلى الإجراء الجديد، إنما يشترط أن يكون هناك عمل إجرائي باطل ، من ثمة فإن العمل الإجرائي الجديد الصحيح والغير الباطل ينتج آثاره، وهذه الآثار تكون آثار هذا العمل الصحيح وليست آثار العمل الإجرائي الباطل.
ب - التصحيح بالانتقاص :
يعني بالانتقاص التخلص من الجزء الباطل والإبقاء على الجزء الصحيح، طالما احتمل هذه التجزئة، فإذا لم يحتملها فلا يكون هناك محل لهذا الانتقاص. أما الأستاذ عبد الحكم فوده قد عرفه على أنه استبعاد الجزء الباطل من العمل لينتج الجزء الصحيح آثاره القانونية، فإذا ثبت أن لا حياة للجزء الباقي بدون الجزء الباطل بطل العمل كله، فالهدف من الانتقاص تصحيح ما يمكن تصحيحه من العمل الإجرائي الباطل، فما لا يدرك كله لا يترك كله، فالعمل الإجرائي المركب إذا بطل جزء فيه صح الجزء الآخر وأنتج آثاره طالما كان مستقلا عن الإجراء الآخر، فإذا ارتبط معه ارتباطا لا يقبل التجزئة بطل العمل الإجرائي كلها.
يشترط الإجراء بالانتقاص أن يرد على إجراء يحتوي على عدة أجزاء، فجزء منه يكون صحيحا أما الجزء الآخر يكون معيبا، كما يجب أن يكون الإجراء قابلا للتجزئة والانقسام، أما إذا تعذر ذلك وكان مرتبطا فإن البطلان يكون كليا ولا محال للانتقاص، كما لا يشترط توفر النية الاحتمالية لإجراء الانتقاص، كما يجب أن يتمسك به الخصم صاحب المصلحة ليعتد به القاضي فاذا أغفله حكم القاضي بالبطلان، أما إذا تعلق بالنظام العام فيمكن للقاضي أن يثيره من تلقاء نفسه فينقص الجزء الباطل ويرتب على الباقي آثاره القانونية.
أما بالنسبة لحالة تعدد الخصوم قد يكون الإجراء صحيحا بالنسبة للبعض دون البعض الآخر كحالة تبليغ عريضة افتتاح الدعوى بإجراء صحيح إلى البعض، وبإجراء باطل بالنسبة للبعض الآخر، عندئذ يمكن الاعتداد بالتبليغ الصحيح بالنسبة للذين بلغوا تبليغا صحيحا، واهدار التبليغ الباطل بالنسبة لباقي الخصوم الذين بلغوا تبليغا باطلا، واذا صدر حكم قضائي واحد متضمنا الفصل في عدة طلبات وكان باطلا بالنسبة لجزء منه، فإن هذا الجزء وحده هو الذي يبطل وتظل باقي الأجزاء سليمة ، فالانتقاص من حيث الإجراء يتفق مع طبيعة العمل القانوني المركب لأنه مكون من عدة أعمال بسيطة، فإذا بطل أحد هذه الأعمال فمن الطبيعي ألا يمتد هذا البطلان إلى الأعمال الأخرى إذا كانت مستقلة عنه.
ج - التصحيح بالتكملة :
يقصد به إزالة العيب الذي شاب الإجراء، سواء بتجديد الإجراء الباطل، بحيث يحل محله إجراء آخر صحيح أو بتجديد شق منه لتغيير العنصر المعيب فيه أو بإضافته كما يقصد به تصحيح الإجراء الباطل بأن يضاف إليه البيان أو الشكل أو العنصر الذي ينقصه، أو أيضا تصحيح المقتضى المعيب فيه ، لذا يشترط بعض الشروط للتصحيح بالتكملة وهي كالآتي:
- يجب أن يضاف إلى العمل الباطل ما ينقصه، أو أن يعدل ما تعيب فيه، بحيث تتوافر في العمل بعد التكملة سائر مقتضياته القانونية.
- يجب أن تتم التكملة في الميعاد الذي يحدده القانون للقيام بالعمل المراد تكملته.
- يجب أن تتم التكملة قبل صدور حكم يفصل في أوجه البطلان المثارة في الخصومة.
ـ يجب أن يكون العمل المعيب المراد تكملته باطلا، أما إذا كان منعدما فلا مجال لتصحيحه.
يمكن أن نذكر في هذا الشأن بعض الأمثلة منها تسليم التكليف بالحضور أمام المحكمة حد يجب أن تحدد فيه مهلة لا تقل عن 10 أيام قبل تاريخ الجلسة، ويبدأ هذا الميعاد من تاريخ التبليغ، فإذا تضمن التبليغ مهلة أقل من ذلك وحضر المبلغ إليه وتمسك ببطلان التبليغ لهذا السبب، فإن القاضي لا يحكم ببطلانه بل يتم تصحيحه بالتكملة، وذلك بإعطاء المبلغ إليه مهلة جديدة لا تقل عن تلك المهلة.
أخيرا تجدر الإشارة إلى أنه للحد من البطلان واقتصادا في إجراءات الخصومة، ومنعا للمبالغة في التمسك بالشكل وبدلا من الحكم بالبطلان فإنه يسمح للخصم الذي عليه القيام بالإجراء أن يقوم به مرة أخرى وذلك بتكملة الإجراء المعيب، أي أن المشرع يسمح بإحلال عمل إجرائي صحيح محل العمل المعيب، فيتم تجديد الإجراء إما كليا أو جزئيا، أي أن العمل الإجرائي لا يتم محله ، كما يترتب على العمل المعيب تصحيحه بالمعنى الدقيق، وانما يتم تجديده بعمل آخر صحيح صيرورته صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية المقررة له، لكنه لا ينتج هذه الآثار إلا من وقت وجوده كاملا صححا.
د ـ التصحيح بوقائع قانونية لاحقة :
بتحديد وقائع معينة في الخصومة، فإذا حدثت إحداها ترتب عليها سقوط يقوم الخصوم الحق في البطلان، وترتب هذه الوقائع بمجرد تحققها بصرف النظر عن إرادته، فيتم تصحيح البطلان نتيجة لتحقق واقعة معينة، وهذا ما نصت عليه المادة 66 من ق إم.! وهي كالآتي : " لا يقضي ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح إذا زال سبب ذلك البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة"، كذلك ما أشارت إليه المادة 61 من نفس القانون، حيث أنه إذا نوقش الموضوع ولم يتمسك الخصم ببطلان الإجراء فيسقط حقه فيه؛ لأن الدفع ببطلان التبليغ دفع شكلي يجب إبداءه قبل أي دفع آخر، كما تفصل فيه المحكمة قبل التعرض لموضوع الدعوى.
كما أن غياب التكليف بالحضور في ملف الدعوى يؤدي بالقاضي إلى الفصل ببطلان إجراءات الخصومة، إلا أن حضور المدعى عليه طواعية أو محاميه أو وكيله يصح ذلك ويزول البطلان الذي كان قائما من قبل، ويفصل القاضي بحكم حضوري، لأن الغاية من تبليغ التكليف بالحضور قد تحقق وليس هناك ضرر بمصالح الخصم، وهذا أثناء الخصومة، كذلك فيما يخص الأعمال اللاحقة عن البطلان أثناء سير الخصومة وانما بعدها مثل انقضاء مواعيد الطعن على الحكم فيترتب على ذلك زوال البطلان الذي يشوب الحكم، عندئذ يصحح البطلان كأثر لحجية الأمر المقضي به.
المطلب الثاني : حكم التصحيح الإجرائي في التشريع الجزائري.
يتم التصحيح بمعرفة من قام بالإجراء الباطل، فلا يجوز للمحكمة أن تأمر به من تلقاء نفسها ، فإذا تمسك الخصم ببطلان إجراء من إجراءات الخصومة يأمر القاضي بتصحيحها ويمنح أجل لذلك، وهذا يدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي، يستعملها ويقدر فيها حتى الأجل للخصوم ، فإذا كان للإجراء الباطل ميعاد لتصحيحه، فيجب أن يحصل في الذي سيمنحه الميعاد القانوني المحدد لذلك، أما إذا لم يكن هناك ميعاد لتصحيح الإجراء الباطل فيجوز للقاضي الميعاد أو أجل قانوني للخصم للتصحيح ، وهذا ما ورد في المادة 62 من ق إ م إ والتي تنص على ما يلى: يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان، بشرط عدم بقاء أي ضرر قائم بعد التصحيح، يسري أثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان.
يمنح القاضي أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بعيب، لكن بشرط عدم بقاء أي ضرر، كمنح أجل لتصحيح العريضة الافتتاحية إذا كانت ناقصة في إحدى البيانات الواردة في المادة 15 من ق إ م إ، والمادة 14 من نفس القانون، فإذا لم يصحح الإجراء في هذا الأجل المحدد قضت المحكمة بالبطلان، والإجراء المعيب لا يكون صحيها إلا من تاريخ تصحيحه وبالرجوع إلى نص المادة 24 من القانون السابق الذكر، فالقاضي هو من يسهر على إجراءات الدعوى المقامة أمامه تطبيقا لمبدأ حسن سير العدالة، إذ جاءت المادة بالصيغة الآتية : "يسهر القاضي على حسن سير الخصومة، ويمنح الآجال ويتخذ ما يراه لازما من إجراءات".
تجدر الإشارة إلى أن الأمر بتصحيح الإجراء المعيب ومنح الأجل من طرف القاضي يعتبر من بين أعمال الإدارة التي يقوم بها القضاة، من ثمة لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن.
خاتمة.
من خلال تحليل المادة 64 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية نخلص إلي أن حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها أنه جزاء إجرائي ضروري وفعال ليس فقط لحماية شكليات الأعمال الإجرائية بل لحماية حقوق الخصوم لاسيما حقهم في الدفاع , إن البطلان ينصب على الإجراء الباطل كقاعدة عامة مبدئيا فإن ﺁثار البطلان تقتصر على العمل الإجرائي المطعون فيه، ولكن قد يمتد البطلان ليشمل كل الإجراءات المنجزة على أساس العقد الذي أبطل. وأحيانا قد يكون الجزاء الذي يترتب على البطلان أكثر خطورة إذ يؤدي إلى سقوط الحق ذاته. فإذا أبطل عقد الاستئناف مثلا، فإن أجل الاستئناف يكون غالبا قد انقضى. وبطلان التكليف بالحضور قد يترتب عليه تقادم الدعوى وكذا سقوط الحق.
الهدف هو تحقيق الفعالية للقواعد الإجرائية من خلال إعمال الجزاء عند انتهاك هذه القواعد من جهة، واعتبار الأعمال الإجرائية وسيلة وصع لصالح المتقاضين يمارسونها تحت رقابة القضاء من أجل السير الحسن للإجراءات من جهة أخرى، و من ثمة مراعاة عدم ترتيب الجزاء الإجرائي رغم تهافت المخالفة الإجرائية باعتبار أن الأشكال وضعت لحماية الحق الموضوعي و ليس لإهداره.
فالبطلان يمثل نوعا من أنواع الجزاء الإجرائي، باعتبار أن هذا الأخير قد يوجه إلى كافة الإجراءات المتولدة عن رفع الدعوى أي الخصومة القضائية ككل.
كما أن البطلان جزاء لتخلف شكل الأعمال الإجرائية التي بتطلبها القانون في هذه الإجراءات التي تختلف و تتنوع من حيث أشخاصها و مضمونها و طبيعتها، فبعضها يقوم بها الخصوم أو من يمثلهم قانونا و البعض الآخر يقوم بها القاضي أو أحد أعوانه و البعض الأخر يقوم بها الغير ،كما يتخذ شكل العمل الإجرائي صور متعددة أهمها الكتابة و زمان و مكان الإجراء.
كما اتفق معظم الفقهاء على أن البطلان هو الجزاء الأنسب الذي يطبق على مخالفة العمل الإجرائي الذي حصر من حيث الموضوع في الأهلية وانعدام التفويض للشخص الطبيعي أو المعنوي وجعلها من النظام العام، إلا أن هذا البطلان قد قيده المشرع بمجموعة من الشروط لعل من أبرزها لا بطلان إلا بنص صريح في القانون و وجوب إثبات الضرر.
ويختلف تقرير البطلان باختلاف تقسيماته حيث قسم إلى بطلان متعلق بالمصلحة العامة و بطلان متعلق بالمصلحة الخاصة، فلا يجوز التمسك بالبطلان إلا لمن قررت القاعدة المخالفة لمصلحته، فقد تقرر لمصلحة شخص معين أو أشخاص معينين، و قد تقرر للمصلحة العامة، فإن دائرة أصحاب الحق بالتمسك به تضيق تبعا لهذا أو تتسع.
بالإضافة إلى ذلك تكون الأعمال الإجرائية الباطلة قابلة للتصحيح، وهذا عن طريق التصحيح مع بقاء العيب أو التصحيح بزوال العيب.
كما أنه يرتب آثار قانونية فهو لا يؤثر فقط في العمل المعيب بل أنه قد يؤدي إلى بطلان الأعمال الإجرائية الأخرى. فالبطلان نظرية فرضت وجودها فى كل التشريعات السائدة في العالم، كما كانت موضوع دراسة و إيضاح من طرف شراح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، ولم يخلو قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على غرار باقي التشريعات من نصوص البطلان، فقد جاء مسايرا فيما يخص موضوع البطلان الإجرائي
باعتباره أنه نظم هذا الموضوع في قسم مستقل و الذي ورد في الباب الثالث المتعلق بوسائل الدفاع، وكان الأحرى تخصيص له جزءا خاصا به لان البطلان لا يقدم كدفع فقط بل قد يثار بمناسبة طعن.
المشرع الجزائري قام بتخصيص قسم لأحكام البطلان وتبنيه لنظرية الضرر عند تخلف أحد عناصر العمل الإجرائي، و بالتالي يكون قد توصل إلى ما كانت تصبو إليه المحكمة العليا في تطبيقاتها للبطلان الإجرائي، والملاحظ أن المشرع الجزائري سار نحو مراعاة السياسة التشريعية الحديثة في مجال الإجراءات و التي مقامها فكرتين أساسيتين، و هما فكرة الجزاء المرتبطة بالقاعدة القانونية حتى تكون في قمة الاحترام و الخضوع لها، و نجد فكرة أخرى تتمثل في فكرة مراعاة حقوق الأفراد، لكي لا يكون هناك إهدار الكثير من الحقوق ولكي لا تصبح إجراءات التقاضي غاية بل هي وسيلة يخضع لها الجميع لفض النزاعات.
المراجـع :
1- القوانين :
- القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الاجراءات المدنية و الادارية.
2- الكتب :
- د سائح سنقوقة - شرح قانون الاجراءات المدنية و الادارية - الجزء الثاني دار الهدي الجزائر سنة 2011.
- بوبشير محند أمقران، قانون الإجراءات المدنية و الإدارية (نظرية الدعوى ، نظرية الخصومة والإجراءات الاستثنائية)، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2008.
- حسين فريجة ، المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، الطبعة الثانية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 2010.
- حسين طاهري، شرح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد، الجزء الأول ، دار الخلدونية ، الجزائر، 2012.
- د بربارة عبد الرحمان - شرح قانون الاجراءات المدنية و الادارية - منشورات بغدادي , الطبعة الثانية , الجزائر سنة 2009.
- أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية والتجارية، الطبعة الخامسة عشر، منشأة المعارف ، مصر،1993.
- أحمد هندي، قانون المرافعات المدنية والتجارية ، دار الجامعة مصر، 2003.
- الأنصاري حسن النيداني، العيوب المبطلة للحكم و طرق التمسك بها ، دار الجامعة ، مصر، 2009.
- سليمان بارش ، شرح قانون الإجراءات المدنية الجزائري، الجزء الأول ، دار الهدى ، الجزائر، 2006 .
- عبد الحكيم فوده ، البطلان في قانون المرافعات المدنية و التجارية ، دار الفكر والقانون ، مصر، 1999 .