شرح الشكوي في الجزائر
المبحث الأول ماهية الشكوى
المطلب الأول مفهوم الشكوى
المطلب الثاني تمييز الشكوى عن بافي قيود الدعوى العمومية
المبحث الثاني : الإطار القانوني والإجرائي للشكوى
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للشكوى
المطلب الثاني: انقضاء الحق في الشكوى والتنازل عنها
الفصل الثاني الجرائم المقيدة بشكوى
المبحث الأول : الجرائم الواقعة على الأموال ولأشخاص
المطلب الأول: الجرائم الواقعة على الأموال
المطلب الثاني : الجرائم الواقعة على الأشخاص
المبحث الثاني: الجنح المرتكبة من المواطنين الجزائريين في الخارج ضد أحد الأفراد
المطلب الأول : نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان
المطلب الثاني: المتابعة في الجنح المرتكبة من طرف الجزائريين في الخارج
الخاتمة
مقدمة :
الأصل أن النيابة العامة هي المختصة بتحريك الدعوى العمومية فلها مطلق الحق في التصدي لما يقع من جرائم نظمها القانون وقرر لها العقاب ،وهي في ذلك نائبة عن المجتمع في صون حقوقه ، و على ذلك في تباشر الدعوى العمومية اتهاما و ادعاءا بلا قيد و لا سلطان لأحد عليها إلا في حدود المرسوم لوظيفتها قانونيا ورغم ذلك هناك بعض الجرائم ارتأى المشرع ترك حق المطالبة بالاتهام و ترتيب المسؤولية الجنائية للمجي عليه و ذلك لطبيعة تلك الجرائم التي تتصل باعتبارات خاصة بالمجني عليه، بحيث يكون له تقدير الملائمة في تحريك الدعوى العمومية ، ومن هنا قيد المشرع سلطة النيابة العامة في تحريك ذلك الصنف من الجرائم إلا حينما يبدي المجني عليه رغبته الصريحة في ذلك بتقديمه الشكوى في تعبير المجني عليه عن إرادته في ان تتخذ الإجراءات الناشئة عن الجريمة فجوهر الشكوى هي الإرادة الحرة المتجهة إلى إنتاج الآثار القانونية السابقة.
و كان الهدف من إقرار نظام الحق في تقديم الشكوى هو تحقيق نوع من التوازن بين المصلحة العامة المتمثلة في المجتمع والذي له الحق في التقدير إذا كان الفعل يشكل جريمة يستحق ان ترفع ضد مرتكبيه دعوى جزائية، و المصلحة الخاصة وهي حق المجني عليه الخاص في ملائمة عدم رفع هذه الدعوى بالنسبة لطائفة من الجرائم تتعلق بالجانب الشخصي له ، و ذلك بسبب اتصال الحق المعتدى عليه فيها بعلاقات عائلية أو تكون إحدى علل التجريم حماية لشرفة و اعتباره وتقديرا من المشرع لإمكانية تعارض تحريك الدعوى العمومية مع المصلحة المحمية بالنص التجريمي .
الفصل الأول مدخل مفاهيمي للشكوى كقيد على تحريك الدعوى العمومية
على الرغم من أن الأصل في تحريك الدعوى العمومية من اختصاص النيابة العامة إلا أن المشرع الجزائري قد سلطتها بقاعدة استثنائية وهي تقديم شكوى من المجني عليه، فلا يجوز للنيابة العامة أن تحرك الدعوى الجزائية إلا إذا أزيل القيد الذي يكبلها، و لإزالة هذا القيد لا بد من موافقة الشخص المجني عليه على ذلك صراحة. و سنتناول في هذا الفصل مبحثين أساسين خصصنا المبحث الأول لماهية الشكوى، أما المبحث الثاني فسنتطرق فيه إلى الإطا رالقانوني والإجرائي للشكوى .
المبحث الأول : ماهية الشكوى
إن أول المتضررين من وقوع الجريمة المرتكبة من الجاني هو المجني عليه أي الضحية، وفي هذه الحالة فإن أول إجراء يقوم به المجني عليه لتحريك الدعوى العمومية هو تقديم شكوى و تعتبر الشكوى إجراء لرفع القيد الوارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية حيث تقدم من المجني عليه في جرائم محددة إلى النيابة العامة أو أحد ضباط الشرطة القضائية بإخطار أو الابلاغ للمطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية الجنائية ضد مرتكب الجريمة و ذلك لأن النيابة العامة هي الجهة التي تملك تحريك الدعوى العمومية.
المطلب الأول : مفهوم الشكوى :
قيد القانون تحريك الدعوى العمومية في بعض الجرائم بقيود معنية من بينها الشكوى و ذلك لحماية مصلحة المجي عليه وسنحاول في هذا المطلب التطرق إلى مفهوم الشكوى كقيد على تحريك الدعوى العمومية.
الفرع الأول: تحديد مدلول الشكوى :
نجد ان هناك عدة تعريفات لقيد الشكوى نذكر منها التعريف القانوني و التعريف الفقهي.
أولا : التعريف القانوني للشكوى :
لقد ذكر المشرع الجزائري مصطلح الشكوى في نصوص قانونية مختلفة دون أن يضع لها مفهوما يمكن الاعتماد عليه لتعريف الشكوى.
فقد جاء ذكر الشكوى في نص المادة 72 من ق إ ج المتعلقة بادعاء المدني أمام قاضي التحقيق، وكذلك استعمل مصطلح الشكوى في نص المادة 369 و ما يليها من ق .ع المتعلقة بالسرقات بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة.
ثانيا: التعريف الفقهي للشكوى :
يعرف الفقه العربي الشكوى على عدة أوجه، فنجد مثلا البعض يعرفها بأنها " تعبير المجني عليه عن إرادته في أن تتخذ الإجراءات الجنائية الناشئة عن الجريمة "، و يعرفها آخرون بأنها : " تبليغ المجني عليه أو من يقوم مقامه إلى السلطات العامة عن جريمة وقعت عليه" و نجد في الفقه الفرنسي عدة تعريفات كذلك، نأخذ على سبيل المثال تعريف ستيفاني (stéfaniولفاسور (levasseur) و بولوك (bauloc) " الشكوى عبارة عن بلاغ صادر من ضحية الفعل الجرمي، يقدمها هذا الأخير إلى ضابط شرطة قضائية أو مباشرة إلى وكيل الجمهورية، دون أن تكون مقيدة بشكليات معينة كما يمكن تقديمها إلى قاضي التحقيق مصحوبة بادعاء مدني" .
أما الفقه الجزائري فهناك من يرى بأن الشكوى "عبارة عن بلاغ يقدم من طرف المجني عليه شخصيا أو من وكيله الخاص إلى الجهات المختصة بهدف تحريك الدعوى العمومية و هذه الجهات هي الضبطية القضائية والنيابة العامة، والقانون لم يشترط شكلا معينا للشكوى، فمد تكون شفاهه أو كتابة، كما يعرفها كذلك بعض الفقه بأنها إجراء يباشره المجني عليه أو وكيل خاص عنه، يطلب فيه من القضاء تحريك الدعوى العمومية في جرائم معينة يحددها القانون على سبيل الحصر لإثبات مدى قيام المسؤولية الجنائية في حق المشكو في حقه."
الفرع الثاني : أطراف الشكوى
اشترط القانون الجزائري توفر صفة معينة في صاحب الحق في الشكوى وذلك وقت وقوع الجريمة وكذا وقت تقديم الشكوى، وتقدم الشكوى من المجني عليه من أجل تحريك الدعوى العمومية ليطالب من خلالها توقيع الجزاء على الجاني، لذا فالشكوى تتطلب أن تكون ضد الحق في تقديم الشكوى شروط شخص معروف وتقديمها في جية معينة حددها القانون.
أولا : صاحب الحق في تقديم الشكوى
بالرجوع للقانون الجزائري يجب أن تتوفر في صاحب الحق شروط معينة وهي:
1 (صفة المجني عليه :
إن صاحب الحق في تقديم الشكوى هو المجني عليه وحده و ليس المضرور من الجريمة حتى تتحرك الدعوى العمومية، وقد استقر الفقه في مصر ولبنان على أن صاحب الحق في تقديم الشكوى هو من تتوافر فيه صفة المجني عليه و ليس المضرور من الجريمة، ولا شك أن اشتراط صفة المجني عليه من شأنه أن يضيق في نطاق الشكوى وهو أمر مقبول لأن الطبيعة القانونية للشكوى هي ذات طبيعة استثنائية تمثل قيدا يحد من حرية النيابة العامة وهي الأصل في تحريك الدعوى العمومية و بالتالي يبدو منطقيا عدم التوسع في تفسير من له الحق في تقديم الشكوى وقصره فقط على المجني عليه ولوكان هناك أشخاص آخرون لحقهم الضرر من الجريمة وهذا خلاف الحق في الادعاء المدني، فصاحب الحق فيه هو المضرور من الجريمة، أي من لحقه ضرر مادي أو معنوي وتوافرت شروط معينة و يستوي أن يكون المضرور هو المجني عليه نفسه أو شخص غيره. وحق تقديم الشكوى حق شخصي لا يثبت إلا للمجني عليه وحده، فلا ينتقل إلى الورثة بعد وفاة مورثهم (المجني عليه)، حتى ولو كان قد أعلن لهم صراحة قبل وفاته غن رغبته في تقديم الشكوى، و من ثم لا يجوز ممارسته إلا منه شخصيا أو بمقتضى وكالة قائمة ولاحقة على وقوع الجريمة، فلا يكفي وجود توكيل عام عنه بالقيام بإجراءات التقاضي.
وإذا كان المجني عليه شخصا معنويا، فإن الحق في تقديم الشكوى يثبت لمن يمثله قانونا لأنه لا يكفي لاعتبار الشخص مجنيا عليه أن يكون قد وقع الفعل الإجرامي عدوانا مباشرا عليه وإنما يتعين أن يتخذ هذا الضرر صورة النتيجة الإجرامية.
(2أهلية الشكوى :
المقصود هنا هو سن الأهلية الإجرائية التي يجب توافرها في المجني عليه حتى يحق له تقديم الشكوى، و بالتالي رفع القيد الذي يحد من سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، وأمام انعدام نص خاص بهذا الموضوع فإن أهلية مقدم شكوى تحدد وفقا للقواعد العامة، و هي المادتين 40 الفقرة2 من ق.م والمادة 459 من ق إ م، فالأولى تقضي بأن" ... سن الرشد المدني تسعة عشر كاملة" في حين تقضي الثانية بأنه "لا يجوز لأحد أن يرفع الدعوى أمام القضاء ما لم يكن حائز لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك..." و المقصود بأهلية التقاضي هي سن الرشد المحددة في المادة 40 الفقرة2 من القانون المدني.
ويبرر ذلك أن تقديم الشكوى تصرف قانوني يرتب آثار إجرائية تتمثل في إطلاق يد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية و بالتالي يجب أن يكون مقدم الشكوى قد بلغ سن الرشد المدني وهي تسعة عشر سنة كاملة. وإذا لم يكن قد بلغ هذا السن أو بلغها وكان مصابا بعارض من عوارض الأهلية (جنون أو عاهة عقلية أخرى)، فإن الشكوى لا تقبل منه، و يقدمها عنه من يمثله قانونا و هو الولي أو الوصي أو القيم حسب الأحوال، فإذا لم يوجد من يمثله قانونا تعارضت مصلحته مع مصلحة من يمثله كأن يكون الممثل القانوني هو الجاني فإنه في هذه الحالة يقع على عاتق النيابة العامة القيام بواجب تمثيل المجني عليه في تقديم الشكوى باعتبارها ممثلة للمجتمع في المطالبة باقتضاء الحق في العقاب و يكون لها سلطة تحريك الدعوى أو حفظها وفقا لما تمليه عليها ظروف الحال.
ثانيا : الشخص الموجه ضده الشكوى:
الأصل أن الشكوى توجه ضد المتهم، وهو من استلزم القانون وجوب تقديم الشكوى لاتخاذ الإجراءات ضده. ولكن المتهم قد يكون غير معلوم بالرغم من وقوع الجريمة و علم المجني عليه بها. فلا يحول ذلك دون التقدم بالشكوى دون اعتبار الشخص من يسفر اتخاذ الإجراءات عن إسناد التهمة إليه، و عندما يتضح شخص المتهم فإنه ينبغي تقديم شكوى بالرغبة في السير في الإجراءات ضده. و إذا تعدد المتهمون فلا يلزم تقديم الشكوى ضدهم جميعا وهنا من باب أولى إذا كان القانون لا يتطلب الشكوى بالنسبة لبعض المساهمين في الجريمة فإن النيابة تستطيع أن تسير في الدعوى دون انتظار لتقديم الشكوى ضده، إلا أنه بالنسبة لجريمة الزنا فإنه لا يجوز اتخاذ الإجراءات ضد شريك الزوج الزاني قبل تقديم الشكوى ، و متى قدمت الشكوى تعين على النيابة أن تسير في الدعوى قبل جميع المساهمين ولو لم يذكروا في الشكوى أو طلب المجني عليه صراحة عدم السير في الدعوى قبل أيهما فلا هو و لا النيابة يملكان هذا التنازل.
ثالثا : الجهة التي تقدم إليها الشكوى :
عندما يتوجه المجني عليه وهو الطرف المعتدى عليه بشكواه إلى الجهات المختصة بذلك فإنه يهدف بذلك إلى تطبيق القانون على المتهم، فمن الطبيعي أن يتم تقديم الشكوى إلى جهة تملك سلطة التحري والبحث عن الجريمة بمتابعة كل من أخل بنظام الجماعة لتطبيق القانون التطبيق الصحيح عن طريق تحريك الدعوى الجزائية بوجه عام، وهذا لا يتحقق إذا قدمت إلى النيابة العامة صاحبة الولاية في تحريك الدعوى العمومية، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي أو لقاضي التحقيق فإذا قدمت للجهات الإدارية مثلا فإنها لا تعد شكوى بمعناها القانوني، فمن الطبيعي أن توجه الشكوى إلى واحدة من تلك الجهات .
الفرع الثالث : شروط الشكوى
ينبغي لصحة تقديم الشكوى أن تتوافر فيها مجموعة من الشروط والمتمثلة في الشروط الإجرائية التي تطرقنا إليها سابقا بالإضافة إلى هذه الشروط هناك شروط تتعلق بمضمون الشكوى وحق المجني عليه في تقديم شكواه لا يكتمل إلا بتوفر هذه الأخيرة.
أولا : الشروط الشكلية المتعلقة بالشكوى
(1شكل الشكوى :
لم يشترط القانون شكلا معينا في الشكوى فيمكن أن تتم شفاهه أو كتابة و يمكن أن تصدر بأي عبارة بشرط أن تدل صراحة على رغبة المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية من أجل معاقبة الجاني فيستطيع المجني عليه أن يتقدم بها شفاهه إلى إحدى السلطات المختصة بتلقيها و التي يتعين عليها حينئذ تدوينها في محضر رسمي يتضمن كل ما جاء على لسان الشاكي على أن تنتهي بتوقيعه.
لكن في أغلب الوقت يتقدم بها الشاي كتابة سواء بخطه أو بواسطة غيره و في هذه الحالة يجب أن يكون موقعا عليه من طرفه وينبغي أن تكون مؤرخة حتى تتمكن المحكمة من تقدير ما إذا قدمت في ميعادها أو لا.
(2 آجال تقديم الشكوى :
تقدم الشكوى خلال مدة معينة وتتفق أغلب التشريعات على سقوط الحق في الشكوى خلال مدة معينة أما في التشريع الجزائري فلا توجد مدة لسقوط الحق في الشكوى ولكن حدد مدة لتقادم الدعوى العمومية، مما يفيد أن المجني عليه يتقدم بشكواه إذا كانت جنحة خلال 3 سنوات حسب المادة 8 ق ا ج .
ثانيا : الشروط الموضوعية المتعلقة بصحة الشكوى
لابد أن تتوافر في الشكوى الشروط الموضوعية التالية:
(1يجب أن تكون الشكوى واضحة في التعبير عن إرادة الشاكي في تحريك الدعوى العمومية و طلب توقيع العقوبة على المتهم، ويستوي في ذلك أن تحدد إرادة المجني عليه صراحة أو ضمنا، فإذا لم تتوفر هذه الإرادة لا تكون شكوى بل تكون بلاغ.
(2يجب أن تكون الشكوى باتة و غير معلقة على شرط، وإلا كانت عديمة الأثر و لو لم تحقق الأثر بعد ذلك فعلا، ذلك أن تعليق الشكوى على شرط دليل أن صاحبها لا يريد محاكمة الجاني.
(3يشترط في الشكوى أن يكون القانون قد قيد النيابة العامة بعدم تحريك الدعوى الجنائية إلا إذا قدمت الشكوى من المجني عليه.
(4يجب أن تتضمن الشكوى تحديدا للوقائع المكونة للجريمة دون أن يكون لازما إعطاؤها الوصف القانوني، إذ ان الوصف القانوني للجريمة المرتكبة من اختصاص النيابة العامة، و هي غير ملزمة بالوصف الذي يضفيه المجي عليه للجريمة.
(5لا بد من توافر صفة معينة في المجني عليه حتى يستطيع تقديم شكوى و ذلك في جرائم معينة محدثة لآثارها.
المطلب الثاني: تمييز الشكوى عن بافي قيود الدعوى العمومية
لقد قيد القانون تحريك الدعوى العمومية في بعض الجرائم بقيود و هي الشكوى، الطلب، الإذن في تمثل عقبة إجرائية يجب أن ترفع حتى تسترد النيابة العامة سلطتها في تحريك الدعوى العمومية و في هذا المطلب سوف نتطرق إلى أوجه الشبه و أوجه الاختلاف بين الشكوى و باقي قيود الدعوى العمومية كالطلب والإذن والبلاغ والادعاء المدني والصفح.
الفرع الأول : تمييز الشكوى عن الطلب و الإذن
الشكوى والاذن والطلب هي القيود التي اقرها المشرع الجزائري على تحريك الدعوى العمومية فنجد انها تتشابه في بعض النقاط وتختلف في نقاط اخرى.
أولا: أوجه الشبه بين الشكوى وباقي قيود تحريك الدعوى العمومية (لاذن الطلب)
تتفق الشكوى مع الطلب والإذن من حيث النقاط التالية:
(1من حيث المصدر: يعد القانون هو المصدر الوحيد للشكوى و الطلب و الإذن نظرا لكونها استثناء، فهذه الحالات واردة على سبيل الحصر ولا يجوز الاجتهاد فيها.
(2 من حيث الطبيعة: في استثنائية فكلها مرتبطة بالنظام العام وتمنع المتابعة الجزائية بدونها و إذا وصلت الدعوى أمام قاضي الموضوع فيحكم بعدم قبول الدعوى لتخلفها، و تكون جميع الإجراءات باطلة ولا يصححها تقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن فيما بعد.
(3لهذه القيود أثر سلي على تحريك الدعوى العمومية : فإذا تخلفت امتنعت المتابعة و إذا حضرت جازت المتابعة.
ثانيا :أوجه الاختلاف بين الشكوى وباقي قيود تحريك الدعوى العمومية
تختلف الشكوى عن الطلب والإذن من حيث النقاط التالية:
(1 من حيث المصلحة المحمية: الشكوى تهدف إلى حماية مصلحة المجني عليه بعكس الطلب الذي يهدف إلى حماية أجهزة الدولة التي وقعت عليها الجريمة، أما الإذن يهدف لحماية مصلحة المتهم إذا كان ينتمي إلى هيئة معينة.
(2من حيث المصدر: الشكوى تكون من طرف المجني عليه أما الطلب والإذن فيصدران من السلطة العامة.
(3 من حيث الشكل: الشكوى يمكن أن تكون كتابية أو شفهية أما الطلب والإذن فيشترط في كليهما أن يكونا كتابة.
(4من حيث التنازل: فإن التنازل الصادر من صاحب الشكوى والطلب تنقضي بهما الدعوى العمومية، عكس الإذن الذي لا يجوز العدول عنه بعد مباشرته.
(5 من حيث وحدة الجريمة: الإذن مرتبط بشخص المتهم فإذا تعدد المتهمون في الجريمة و صدر الإذن ضد أحدهم فقط دون الآخرين، فلا يمتد أثره إلى غيره على عكس الشكوى و الطلب.
الفرع الثاني : تمييز الشكوى عن البلاغ
البلاغ هو إخطار أو إخبار من شخص عن حدوث فعل مخالف للنظام العام و الآداب العامة أو القانون واللوائح يستوجب تدخل السلطات المختصة، و يقوم بتقديم البلاغات أي شخص شاهد وقوع الجريمة أو أي مؤسسة عمومية أو خاصة، وقد يتم الإخبار كتابة أو شفويا أو بالهاتف أو بكل وسائل الاتصال الأخرى.
أولا : أوجه الشبه بين الشكوى و البلاغ :
تلتقي الشكوى مع البلاغ في النقاط التالية
:
(1من حيث الهدف: تتفق مع البلاغ في أن كليهما يهدف إلى إبلاغ السلطات المختصة بوقوع جريمة.
(2من حيث الجهة المختصة بتلقيها: كلاهما يقدم إلى السلطات المختصة وهي النيابة العامة أو أحد ضباط الشرطة القضائية.
(3من حيث الشكل: كلاهما يمكن تقديمه بصورة شفوية أو تحريرية .
ثانيا : أوجه الاختلاف بين الشكوى و البلاغ
تختلف الشكوى عن البلاغ من حيث النقاط التالية :
(1من حيث المصدر: الشكوى تصدر من المجني عليه إما بنفسه أو بواسطة وكيل عنه و يكون التوكيل لاحقا على الفعل، أما البلاغ فيصدر من أي شخص وغالبا ما يكون غير المتضرر.
(2في البلاغ : قد يعاقب الشخص الذي لم يبلغ عن الجريمة تواطئا مع المتهمين، أما الشكوى فلا تكون كذلك.
(3عدم جواز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراء التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص إلا بناء على شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه، أما البلاغ فلا يشترط فيه ذلك.
(4الشكوى حق خاص لصاحبها فله حق المطالبة وله حق العفو والتنازل عما يخصه فقط أما البلاغ فليس من حق صاحبه العفو أو التنازل
الفرع الثالث: تمييز الشكوى البسيطة عن الشكوى المصحوبة بالادعاء المدني
يقصد بالشكوى المصحوبة بالادعاء المدني إقامة دعوى مدنية من طرف المضرور يطلب فيها التعويض عن ضرر أصابه من الجريمة أمام المحكمة الجنائية.
ونجد ان الشكوى البسيطة والشكوى المصحوبة بالادعاء المدني يشتركان في عدة نقاط كما يختلفان في نقاط أخرى، لذا سنتطرق إلى أوجه الشبه بين الشكوى المصحوبة بالادعاء المدني و إلى أوجه الاختلاف بينهما .
أولا: أوجه الشبه بين الشكوى البسيطة والشكوى المصحوبة بالادعاء المدني
النقاط التالية : تتشابه الشكوى البسيطة مع الشكوى المصحوبة بادعاء مدني من حيث
(1كل منها تهدف إلى إيصال نبأ الجريمة إلى القضاء مع اختلاف بسيط في أن الشكوى البسيطة تكون أمام الضبطية القضائية أو أمام وكيل الجمهورية والشكوى المصحوبة بالادعاء المدني تكون أمام قاضي التحقيق.
(2 كلاهما تصلحان لرفع القيد على المتابعة الجزائية في الجرائم المقيدة بالشكوى.
(3 كلاهما لم يشترط فيهما المشرع الكتابة مما يتعين قبولهما شفاهه.
(4كلاهما يشترط فيهما الأهلية وتقدم من الشاي نفسه أو وكيله.
ثانيا : أوجه الاختلاف بين الشكوى البسيطة والشكوى المصحوبة بالادعاء المدني :
تختلف الشكوى البسيطة عن الشكوى المصحوبة بالادعاء المدني من حيث النقاط التالية:
(1من حيث أثر الشكوى : الشكوى البسيطة لا تعني بالضرورة تحريك الدعوى العمومية إذ يمكن للنيابة العامة بعد رفع القيد أن تحفظ الملف لعدم قيام أركان الجريمة، عكس الادعاء المدني الذي يكون أمام قاضي التحقيق الذي لا يمكن له أن يصدر أمر برفض إجراء التحقيق.
(2من حيث مصدر الشكوى: الشكوى البسيطة لا تكون إلا من طرف المجني عليه و التي تهدف إلى رفع القيد أما الادعاء المدني فيكون من طرف المضرور.
(3من حيث إساءة استعمال الشكوى: إساءة استعمال الشكوى البسيطة لا تعطي الحق للمشتكي منه بالعودة بشكوى البلاغ الكاذب لسبب بسيط أن الدعوى العمومية فيها قد تحركت من طرف النيابة العامة وليس من المجني عليه، وذلك عكس الادعاء المدني الذي يهدف إلى تحريك الدعوى العمومية مما يفيد أن مستعمل هذا الحق إذا أساء استعماله وتوافرت سوء النية مع باقي أركان جنحة البلاغ الكاذب فإن المشتكي منه حق العودة خلال 3 أشهر بالشكوى .
(4من حيث تقديم الكفالة : الشكوى البسيطة تكون على حساب الخزينة العمومية بينما الادعاء المدني تكون الإجراءات فيه على حساب الشخص المضرور طالب الإجراء ما لم يكن قد حصل على مساعدة قضائية.
الفرع الرابع : التمييز الشكوى عن صفح الضحية
قبل أن نتطرق إلى أوجه الشبه والاختلاف بين الشكوى و الصفح يجدر بنا التطرق لتعريف صفح الضحية، ولأنه لم يرد أي تعريف للصفح في التشريع الجزائري ولا في التشريعات المقارنة ارتأينا اللجوء إلى التعريفات القضائية فنجد أن المحكمة الأردنية عرفت الصفح على أنه: " تنازل المتضرر من الجريمة عن حقه الشخصي في الجرائم التي تتطلب لتحريك الدعوى العامة فيا تقديم شكوى من المضرور"
أولا : أوجه الشبه بين الشكوى و صفح الضحية
تتشابه الشكوى مع صفح الضحية من حيث النقاط التالية :
(1إن كل من الشكوى والصفح يقتصران إلا على الحالات التي يتطلب فيها المشرع ذلك، أي الجرائم المعلقة بشكوى والجرائم المتضمنة للصفح.
(2يعتبر الصفح والشكوى من الحقوق الشخصية التي لا تنتقل إلى الورثة.
(3إن كل من الشكوى والصفح يصدران من المشتكي فله الحق في تحريك الدعوى بالمقابل له الحق في سحب شكواه بالصفح فتنقضي بذلك الدعوى العمومية.
ثانيا : أوجه الاختلاف بين الشكوى وصفح الضحية
تختلف الشكوى عن صفح الضحية في النقاط التالية :
(1الشكوى هي وسيلة قضائية لتحريك الدعوى العمومية في حين الصفح هو وسيلة لانقضاء الدعوى العمومية.
(2يكون الصفح بعد تقديم الشكوى و تحريك الدعوى العمومية و يمكن في أي مرحلة من مراحل الدعوى العمومية أن يضع الضحية حدا للمتابعة
(3قد تعلق بعض الجرائم بشكوى ويليها صفح الضحية التي يضع حدا للمتابعة، أما الصفح فهناك بعض الجرائم لم تعلق على شكوى المجني عليه لكن نصت على الصفح أي أن قانون الإجراءات الجزائية وضع قيدا على النيابة العامة في متابعة الإجراءات، حيث صفح الطرف المضرور يضع حدا لكل متابعة جزائية رغم أن القانون لم يقرر ابتداء تقييد النيابة في هذا نوع من الجرائم بعد تحريك الدعوى بشأنها إلا بعد الحصول على شكوى مثل جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة المنصوص عليها في المادة 303 مكرر ق ع، جنحة التقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصة أو سرية بغير إذن صاحبها وكذلك الأمر بالنسبة لمن يحتفظ أو وضع أو سمح بوضع في متناول الجمهور أو الغير أو استخدم بأية وسيلة كانت التسجيلات و الصور و الوثائق المتحصلة عليها طبقا المادة 331 مكرر ق ع، وكذلك جريمة عدم تسديد نفقة لمدة شهرين كاملين المادة 331 ق ع، و جريمة القذف في مادة 298 ق .ع و التي تنص جميعا على أن صفح الضحية يضع حدا للمتابعة الجزائية فهذه مواد لا تضع قيد على النيابة العامة في تحريك الدعوى إنما هي تضع قيد على مواصلة إجراءات المتابعة حال قيامها بالصفح من الضحية.
المبحث الثاني : الإطار القانوني والإجرائي للشكوى
أثارت الشكوى الكثير من النقاش حول طبيعتها القانونية، فهناك من قال أخها ذات موضوعية وهناك من قال أنها ذات طبيعة إجرائية وهناك فئة أخرى أخذت بطبيعة مختلطة و هذا الإشكال ظهر بسبب الاختلاف بين التشريعات التي وضعت جرائم الشكوى في قانون العقوبات و التشريعات الأخرى التي وضعتها في قانون الإجراءات الجزائية و حتى تكتمل معايير ضبط الشكوى سوى نتطرق إلى طبيعتا و نبين كيفيته انقضاء الشكوى وكيف يتم التنازل عنها، و سوف نتطرق في هذا المبحث إلى مطلبين، المطلب الأول نتناول فيه الطبيعة القانونية للشكوى أما المطلب الثاني فنتناول فيه انقضاء الحق في الشكوى والتنازل عنها.
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للشكوى
لقد اختلفت التشريعات الجنائية في توزيع النصوص القانونية المتعلقة بالشكوى، فهناك من يضعها في قانون العقوبات و بعض أخر يضعها في قانون الإجراءات الجزائية بحيث أن الأول يتأثر بالجرائم التي يتقرر فيها هذا الحق، بينما الثاني يتناول الأحكام التي يخضع لها، و إن هذا التوزيع ساهم في الخلط و تحديد طبيعة هذا الحق و من هنا سوف نتناول في الفرع الأول الطبيعة الموضوعية للحق في الشكوى اما الفرع الثاني الطبيعة الإجرائية للحق في الشكوى، بينما نتعرض في الفرع الثالث للطبيعة المختلطة للحق في الشكوى، ونأتي الفرع الرابع نتطرق فيه إلى الآثار المترتبة عن الشكوى.
الفرع الأول: الطبيعة الموضوعية للحق في الشكوى
يرى أصحاب هذا المذهب أن الحق في الشكوى ذو طبيعة موضوعية، يتعلق بسلطة الدولة في العقوبات التي لا تنشأ إلا بشكوى المجني عليه في الجرائم التي تستلزم الشكوى، بحيث يؤدي عدم استعماله أو التنازل عنه إلى انقضاء هذه السلطة، لذا فقد أعد هذا الفريق قاعدة التي تعلق رفع الدعوى الجزائية عن الشكوى المجني عليه قاعدة جزائية موضوعية في كل أحوال موضعها مناسب هو قانون العقوبات لذلك فهي شرط من شروط العقاب و يترتب على عدم تقديمها أو التنازل عنها عدم توقيع العقوبة.
الفرع الثاني : الطبيعة الإجرائية للحق في الشكوى
يذهب جانب كبير من الفقه إلى القول بأن الحق في الشكوى ذو طبيعة إجرائية لصحة تحريك الدعوى العمومية، فعدم تقديم الشكوى يحول دون تحريك الدعوى العمومية حتى و إن انتهى فيها فيما بعد إلى انقضاء حتى الدولة في العقاب و منه فإن الأثر المباشر لتقديم الشكوى أو التنازل عنها يكون ذو طبيعة إجرائية.
يقوم الأساس القانوني لهذا المذهب إلى كون امتناع العقاب عند تقديم الشكوى ليس سببه سقوط حق الدولة في العقاب، وإنما هو عدم تحريك الدعوى العمومية والذي يؤدي إلى عدم العقاب، كما أن جعل الشكوى ذات طبيعة إجرائية يعني أن المحكمة عند عرض النزاع عليها من غير وجود الشكوى داخل الملف، فإنها تفصل فيها بعدم قبول الدعوى، وهذا الحكم و لو كان باتا لا يحول دون إعادة محاكمة نفس الجاني عن ذات الواقعة إذا ما تم تقديم الشكوى لاحقا، وهذا يدل على أن الشكوى لا شأن لها بالموضوع إطلاقا.
الفرع الثالث : الطبيعة المختلطة للحق في الشكوى
يرى أصحاب هذا المذهب أن الشكوى ذات طبيعة مختلطة بين الموضوعية و الإجرائية و قد تكون حقا شخصيا للمجني عليه في بعض الجرائم بحيث لا يجوز تحريكها من طرف النيابة العامة إلا بعد تقديم المجني عليه للشكوى و بالتالي في ليست دائما شرط عقاب كما أنها ليست مجرد شرط من شروط تحريك الدعوى العمومية.
وتقوم أسباب الطبيعة المختلطة على وجوب تطبيق قاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم المقررة بقانون العقوبات فإذا تم تحريك الدعوى الجزائية بغير شكوى في ظل قانون قديم ثم صدر قانون يشترط لتحريكها تقديم شكوى هنا يجب تطبيق القانون الجديد بوصفه الأصلح للمتهم على الدعوى التي رفعت قبل نفاذه وبالتالي يجب الحكم بعدم قبولها.
ويترتب عما سبق جواز قياس جريمتي الاحتيال وخيانة الأمانة على جريمة السرقة إذا وقعت بين الأصول والفروع والأزواج لأننا نكون في مجال تخفيف العقوبة.
و بالرجوع إلى موقف المشرع الجزائري من الجرائم المقيدة بالشكوى فهو يميل إلى الطبيعة الموضوعية لأنه لم يكتف بتنظيم حالات الشكوى في قانون العقوبات، بل جعل أحكامها كذلك منظمة بنفس القانون ماعدا نص المادة 6 من ق إ ج التي تنص على انقضاء الدعوى العمومية يسحب الشكوى هذا مع الإشارة أن المشرع الجزائري لم يجعل أحكامها مفصلة لجرائم الشكوى ماعدا ما تعلق بكون الشكوى شرط لتحريك الدعوى العمومية وان التنازل يضع حدا لذلك.
الفرع الرابع : الأثار المترتبة عن الشكوى
نفرق في هذا الصدد بين مرحلتين: مرحلة ما قبل تقديم الشكوى و مرحلة ما بعد تقديم الشكوى.
اولا : قبل تقديم الشكوى
إذا كان المشرع يقيد حرية النيابة العامة وسلطتا تحريك الدعوى العمومية عن بعض الجرائم بوجوب تقديم الشكوى تظل يد النيابة العامة مغلولة و لا يحق لها البتة تحريك الدعوى العمومية. فإذا حركت النيابة العامة الدعوى العمومية من تلقاء نفسها دون انتظار تقديم الشكوى فإن هذا الإجراء يقع باطلا و يبطل كذلك كل ما يبني عليه من إجراءات لاحقة ولا يجوز تصحيح هذا البطلان إذ أن التقديم اللاحق للشكوى بعد تحريك الدعوى العمومية لا يجدي نفعا في بطلان الإجراءات التي تم اتخاذها وهذا البطلان متعلق بالنظام العام فيجوز إثارته في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، وإذا كانت النيابة العامة تمتنع عن تحريك الدعوى العمومية متى كانت الشكوى لم تقدم، فإنه على عكس من ذلك يجوز مباشرة أعمال الاستدلال و تقع صحيحة حتى قبل تقديم الشكوى علة ذلك أن الإجراءات الاستدلالية ليست إجراءات الدعوى العمومية بل هي أعمال سابقة على تحريك هذه الدعوى، لأن قيد الشكوى ينصرف إلى إجراءات تحريك الدعوى العمومية دون ما يسبقها من إجراءات أو أعمال استدلالية، واستثناء من القاعدة السابقة يجوز أحيانا و بشروط خاصة رفع القيد الذي يغل يد النيابة العامة، و تحرك الدعوى العمومية دون انتظار تقديم شكوى و ذلك في الحالات التالية:
(1 حالات التعدد المعنوي :
و هو أن يرتكب المتهم فعلا واحدا تقوم به جريمتان، إحداهما من الجرائم التي تستلزم شكوى المجني عليه لتحريك الدعوى العمومية عنها، والأخرى لا يستلزمها ومثال ذلك فعل الزنا الذي إذا ارتكب في علنية، إذ تقوم به جريمتا الزنا والفعل العلني الفاضح، ومرجع هذا التعدد هو تعدد الأوصاف التي ينعت بها القانون هذا الفعل من الوجهة الجنائية بالنظر إلى الظروف التي ارتكب فيها.
فإذا كان أحد الوصفين المنطبقين على الفعل يدخل ضمن الجرائم التي تستلزم شكوى المجني عليه لتحريك الدعوى العمومية فيها، خلافا للوصف الآخر الذي لا يستلزمها، فالعبرة بالوصف الأشد بمعنى أنه لا يمكن للنيابة العامة في هذه الحالة تحريك الدعوى العمومية عن الوصف الأشد، والوصف الأخف إلا إذا تقدم المجني عليه بشكواه باعتبار أن جريمة الزنا هي ذات الوصف الأشد، وتبقى سلطة النيابة العامة مقيدة ولا يمكنها تحريك الدعوى العمومية عن أي من الوصفين إلا إذا تقدم الزوج المضرور من جريمة الزنا بشكواه و هذا أجمع عليه الفقه.
وإذا ما سقط الحق في تقديم الشكوى عن الجريمة ذات الوصف الأشد، فالنيابة العامة كامل الحق في تحريك الدعوى العمومية عن الجريمة ذات الوصف الأخف أما إذا كانت الجريمة ذات الوصف الأشد من غير الجرائم المقيدة بشكوى المجني عليه، فإن النيابة العامة يمكنها في هذه الحالة تحريك الدعوى العمومية بالنسبة لهذه الجريمة الأشد دون الاعتداد بالجريمة ذات الوصف الأخف التي تستلزم شكوى المجني عليه.
(2 حالة التعدد المادي :
نكون أمام التعدد المادي في حالة ارتكاب المتهم عددا من الأفعال المتميزة فيما بينها و يكون إحداها يعلق المشرع تحريك الدعوى العمومية عنها بشكوى المجني عليه وللتعدد المادي صورتان تعدد مادي غير مرتبط وقابل للتجزئة، وتعدد مادي مرتبط ولا يقبل التجزئة.
أ) تعدد مادي غير مرتبط و قابل للتجزئة : و مثال ذلك أن يسرق شريك الزوجة الزانية مالا من بيت الزوجية مملوك للزوج المجني عليه.
لقد أجمع الفقه على أنه يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بشأن الجريمة التي لا تستلزم شكوى المجني عليه وهي سرقة مال زوج المرأة الزانية، أما بالنسبة للجريمة التي
تستلزم شكوى المجني عليه هي جريمة الزنا، فإن النيابة العامة لا تملك تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا إذا تلقت شكوى من الزوج المضرور.
ب) تعدد مادي مرتبط و لا يقبل التجزئة : إذا ما تحقق تعدد مادي بين جريمتين إحداهما يستلزم فيها القانون تقديم شكوى المجني عليه والأخرى لا يتطلبها وكان بينهما ارتباط لا تقبل التجزئة فإن قيد الشكوى لا يمتد إلى هذه الأخيرة و مثال ذلك اشتراك الزوجة و عشيقها في تزوير عقد الزواج لإخفاء جريمة الزنا التي ارتكباها، جاز للنيابة العامة إقامة الدعوى العمومية عليهما من أجل الاشتراك في التزوير و لو لم يقدم الزوج شكوى من أجل الزنا. وكذلك إذا اعتادت المرأة المتزوجة على ممارسة الدعارة وإدارة منزلا للدعارة جاز للنيابة العامة إقامة الدعوى العمومية عليها من أجل جريمة إنشاء محل للدعارة المرتبطة بالزنا حتى ولولم يتقدم الزوج المجني عليه بشكوى وفقا لارتباط الجريمتين ارتباطا غير قابل للتجزئة.
ثانيا: بعد تقديم شكوى :
يترتب على تقديم الشكوى اقتصار حق المجني على الشق المدني فيها و تصبح الدعوى العمومية ملكا للمجتمع تنوبه النيابة العامة. كما أن وفاة المجني عليه بعد تقديمه الشكوى لا يمنع من مواصلة السير في الدعوى العمومية و بتقديم الشكوى تسترد النيابة العامة مطلق سلطتها على الدعوى العمومية، في لا تتقيد بالتكيف القانوني الذي أسبغه المجني عليه على الواقعة، فلها أن تصحح هذا التكييف أو تعطي للواقعة تكييفا جديدا يتفق وصحيح القانون.
المطلب الثاني : انقضاء الحق في الشكوى والتنازل عنها
من حق المجني عليه أن يتقدم بشكواه إلى السلطة المختصة من أجل تحريك الدعوى الجزائية ضد المتهم إلا أن هذا الحق لا يمكن أن يبقى ساريا دون نهاية، فهذا الحق ينقضي بوفاة المجني عليه أو بمدة معينة لسقوط الحق في الشكوى.
و من جهة أخرى إن المجني عليه بعد تقديم الشكوى قد يتراجع في قراره ضد الجاني و ذلك عن طريق التنازل عن شكواه التي قدمها و في هذا المطلب سوف نتطرق في الفرع الأول إلى انقضاء حق الشكوى والفرع الثاني إلى التنازل عن الشكوى.
الفرع الأول: انقضاء الحق في الشكوى :
ينقضي الحق الشخصي للمجني عليه في تقديم الشكوى بوفاته قبل تقديمها أو بمضي المقررة في القانون دون مباشرته للشكوى.
أولا: وفاة المجني عليه كسبب لانقضاء الشكوى
موت المجني عليه قبل تقديم الشكوى يترتب عليه انقضاء الحق في الشكوى و ذلك لموت صاحب الحق الشخصي في هذا التقديم ولا يجوز لورثته من بعده التقدم بالشكوى، لأن الحق في الشكوى هو من حقوقه الشخصية التي تنقضي بوفاة صاحب الحق فيها وهو المجني عليه و لا ينتقل إلى ورثته سواء ثبت أن المجني عليه كان ينوي وعازم على تقديم الشكوى أو أنه لم يكن
ينوي أن يقدمها ، إلا أنه إذا تقدم المجني عليه بشكواه ثم توفي بعد ذلك فان النيابة العامة تسترد حريتها في رفع الدعوى و في مباشرتها أمام قضاء ذلك أن قيد الذي كان يقيدها قد رفع فلا يهم بعد ذلك إن توفي صاحبه أم بقي على قيد الحياة.
ثانيا : مرور الآجال كسبب لانقضاء الشكوى
ينقضي الحق في الشكوى بمضي مدة معينة المقررة في القانون، إلا أن المشرع الجزائري لم ينص على مدة معينة لانقضاء الحق في تقديم الشكوى، و بالتالي يترتب على ذلك إمكانية تقديم الشكوى من المجني عليه حتى تسقط الدعوى ذاتها بالتقادم أو بمرور الزمن، ففي الجنح مثلا تنقضي الدعوى العمومية الناشئة عنها بمرور ثلاثة سنوات، يضل حق المجني عليه قائما في تقديم الشكوى طوال الثلاث سنوات.
الفرع الثاني: التنازل عن الشكوى :
أجاز القانون للمجني عليه أن يتنازل عن الشكوى بسحبها المادة 6 الفقرة 3 ق إ ج وهو ما يتفق مع حكمتها، فقد يرى أن المصلحة في ذلك، و يصدر التنازل من المجني عليه بوصفه صاحب الحق في الشكوى أو ممن ينوب عنه أو يمثله قانونا.
و بالنسبة لجريمة الزنا فإن التنازل لا ينتج أثره في الصفح عن الزوج الزاني إلا إذا كان المجني عليه لازال حسب الواضح من نص المادة 339 ق .ع زوجا فإذا انقضت رابطة الزوجية بالطلاق فلا يملك أن يتنازل عن الدعوى العمومية، و حق التنازل كالحق في الشكوى من الحقوق الشخصية التي تنقضي بوفاة المجي عليه ولا تنتقل إلى الورثة.
أولا: شكل التنازل عن الشكوى :
سحب الشكوى صورة من صور التنازل الذي لا يستلزم شكلا معينا فقد يكون مكتوبا أو شفويا و لا يلزم أمام القضاء أو النيابة أو الضبط القضائي، فقد يتضمنه خطاب إلى الزوجة أو أحد أقاربا، والتنازل صريح تدل عليه ذات ألفاظه، وحينئذ يتعين على القاضي ترتيب أثره أو يستفاد من عبارات أو ألفاظ لا تدل عليه بذاتها، و من تصرفات صادرة من المجني عليه تتم عن أعراض صاحب الشكوى من شكواه كمعاشرة الزوجة لزوجته بعد ارتكابه الزنا. و يستقل القاضي بتقديره على ضوء ما يستخلصه من ظروف الدعوى فلا يفيد التنازل مجرد رجوع الزوجة إلى منزل الزوجية.
ثانيا: وقت التنازل عن الشكوى :
ان حق المجني عليه في الشكوى لا ينشأ إلا إذا وقعت الجريمة فعلا فلا يتصور التنازل عن جريمة مستقبلية، غير أن مثل هذا التنازل قد يفيد الرضا بالجريمة وهو ما يؤدي إلى انتفاء أحد عناصرها إذا كانت تستلزم عدم رضاء المجني عليه ومن ذلك السرقة فتنازل القريب أو الصهر مقلصا عما قد يسرقه منه قريبه أو صهره يمكن اعتباره رضاء بالواقعة يجردها من عدم المشروعية، ولكن قضي في مصر بأن سماح الزوج لزوجته بارتكاب الزنا وليس انتقاؤه شرطا فيها لأنها اعتداء على كيان الأسرة لا على حق الزوج فقط، كما أن هذا الرضاء سابق على الجريمة مصدر الحق في الشكوى فلا يعتبر تنازلا و لا يخول النيابة أو غيرها رفع الدعوى من تلقاء نفسه.
وللمجني عليه أن يتنازل عن الشكوى التي يقدمها في أي وقت حتى تنقضي الدعوى العمومية بحكم بات أو بغيره من الأسباب
ثالثا : آثار التنازل عن الشكوى :
في مجال التنازل عن الشكوى لا بد من التفرقة بين حالتين لمعرفة الاثار التي تترتب على ذلك.
(1التنازل قبل صدور الحكم
إذا تنازل مقدم الشكوى قبل صدور حكم فإن هذا التنازل يضع حدا للإجراءات و بالتالي تتوقف الدعوى العمومية وهذا ما قضت به صراحة المادة 369 ق ع بشأن جرائم الأموال، أما بخصوص جريمة الزنا فإن تنازل الزوج المضرور مقدم الشكوى يضع حدا لكل متابعة طبقا لنص المادة 339 ق ع في فقرما الرابعة.
(2التنازل بعد صدور الحكم
إذا تنازل مقدم الشكوى عن شكواه بعد صدور حكم بات فإن هذا التنازل لا يمنع من تنفيذ الحكم، غير أن المشرع استثنى من هذه القاعدة جريمة الزنا، حيث تقضي المادة 339 فقرة 4 من ق .ع بأن صفح الزوج المضرور يضع حدا لكل متابعة على عكس المادة 340 الملغاة فقط بوقف تنفيذ الحكم النهائي بالقانون الصادر سنة 1982، حيث كانت هذه المادة تقضي بالنسبة للزوج الذي صدر الصفح لصالحه، أما الفقرة الرابعة من المادة 339 من قانون 1982 جعلت الصفح مانعا لكل متابعة بالنسبة للزوج والشريك.
ملخص :
من خلال دراستنا لشكوى كقيد على تحريك الدعوى العمومية نستخلص أن المشرع الجزائري لم ينص على الإجراءات التي يجب أن تقدم بها الشكوى مثل القالب الشكلي الذي يجب أن تحرر فيه أو كذا المدة وهو الأمر الذي يجعلنا نخضعها للقواعد العامة.
الفصل الثاني الجرائم المقيدة بشكوى
لاشك أن المشرع عندما خول النيابة العامة حرية تحريك الدعوى العمومية إنما ينظر إليها كنائبة عن المجتمع وأمينة على مصالحه في ملاحقة المجرمين وتقديمهم أمام القضاء لينالوا جزاءهم من العقاب. غير أن مصلحة المجتمع قد تبرر أحيانا بما تنطوي عليه مصالح أفراده أن تقيد سلطة النيابة العامة عند تحريك الدعوى العمومية في جرائم رأى فيها المشرع أن
المصلحة التي قد تترتب على عدم تحريك الدعوى العمومية تفوق المصلحة المرجوة من وراء تحريكها .
ولهذا قيد المشرع سلطة النيابة العامة في شأن جرائم معينة، بأن لا تبادر بتحريك الدعوى العمومية إلا بعد تقديم شكوى من المجني عليه .
ففي حالات الشكوى قدر المشرع أن الضرر الذي يعود على المجني عليه من جراء تحريك الدعوى العمومية قد يفوق المصلحة التي يجنيها المجتمع من وراء تحريكها.
وللتفصيل في الموضوع ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين سنتناول في المبحث الأول: الجرائم الواقعة على الأموال والأشخاص والمبحث الثاني نتطرق فيه إلى الجنح المرتكبة من المواطنين الجزائريين في الخارج ضد أحد الأفراد.
المبحث الأول: الجرائم الواقعة على الأموال ولأشخاص
قيد المشرع الجزائري بعض الجرائم التي تقع على الأموال بقيد الشكوى وذلك مراعاة لمصلحة الفرد، كما أولى اهتمام كبير بجرائم الاعتداء على الأشخاص والتي تعتبر من أكثر الجرائم الخاضعة لقيد الشكوى، فالمشرع في هذه الجرائم راعى مصلحة المجني عليه وحقه في حماية أسرته أو حقه في صون شرفه واعتباره. وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين المطلب الأول نتناول فيه الجرائم الواقعة على الأموال، والمطلب الثاني نتناول فيه الجرائم الواقعة على الأشخاص.
المطلب الأول: الجرائم الواقعة على الأموال
يقصد بجرائم الاعتداء على الأموال مجموعة الأفعال التي يؤدي إلى المساس بالذمة المالية للأفراد، ولقد قيد المشرع الجزائري بعض الجرائم التي تقع على الأموال بقيد الشكوى وهي: جريمة السرقة بين الأزواج والأقارب والأصهار وإخفاء أشياء مسروقة، جريمة النصب، جريمة خيانة الأمانة، بالإضافة الى جريمة الاختلاس
الفرع الأول : جريمة السرقة بين الأزواج والأقارب والأصهار
تخضع جريمة السرقة لقيد الشكوى إذا كانت ثمة صلة قرابة أو صلة زوجية بين الجاني والمجني عليه طبقا لنص المادة 369 من ق ع الجزائري.
أولا: تعريف جريمة السرقة
نجد ان المشرع الجزائري لم يوضح مفهوم جريمة السرقة المقيدة بشكوى بالنسبة لصلة القرابة وبالتالي نستعين بالنصوص العامة في هذا الشأن ،وقد عرفت المادة 350 من ق ع السرقة كما يلي " كل من اختلس شيئا غير مملوكا له يعد سارقا" وبالتالي لم يعرف جريمة السرقة وإنما جاء بالفعل الذي يأتيه الجاني حتى يمكن اعتباره قد قام بالسرقة وهو فعل الاختلاس وقد عرفت السرقة على أنها استيلاء الجاني على ملكية الغير بدون رضائه، ولا يكفي الاستيلاء بل يستوجب توافر باعث حب كسب المال لدى الجاني فلا سرقة إذا كان الباعث مجرد انتقام من المجني عليه .
ثانيا: أركان جريمة السرقة
تقوم جريمة السرقة على ثلاثة أركان وهي: الركن المادي للسرقة (فعل الاختلاس)، محل الجريمة ويتمثل في شيء منقول مملوك للغير، القصد الجنائي وهو الركن المعنوي للجريمة
(1الركن المادي لجريمة السرقة :
لم يحدد القانون معنى الاختلاس، وهو الركن الأساسي في جريمة السرقة، وفي غياب تعريف صريح يتفق الفقه والقضاء على أن الاختلاس هو الاستيلاء على شيء بغير رضا مالكه.
ولقد تطور مفهوم الاختلاس فلم يعد محصورا في الاستيلاء على الشيء إذ أصبح من المسلم به اليوم أن تسليم الشيء لا ينفي الاختلاس.
يقوم الاختلاس على عنصرين: عنصر مادي وهو الاستيلاء على الحيازة، وعنصر معنوي وهو عدم رضا مالك الشيء أو حائزه عن الفعل .وعليه فالاختلاس هو نقل الجاني للشيء المسروق من حيازة المجني عليه إلى حيازته الشخصية بغير علم المجني عليه أو على غير رضاه، ويشترط أن تكون حيازة المجني عليه للشيء حيازة كاملة لأن الحيازة الكاملة هي محل الاعتداء في جريمة السرقة، والاختلاس بالمفهوم المتقدم هو الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء بغير علم مالكه أو على غير رضاه ويتم هذا الاستيلاء في صورته المألوفة بنقل الشيء أو انتزاعه من مكانه وإدخاله في الحيازة الشخصية للجاني. وكل فعل من شأنه نقل حيازة الشيء إلى الجاني يتحقق شيء من أخر يعد مختلسا، لكن قد يكون به الاختلاس مثل من يحرض كلبه على خطف المجني عليه سبق وسلم الجاني الشيء تسليما لم ينقل به حيازة الشيء إلى الجاني وإنما مجرد اليد العارضة عليه، فالاختلاس هنا لا يحتاج من الجاني نقل الشيء لأنه تحت سيطرته الفعلية وهنا يجب بيان سبب التسليم وتحليله لكي يترتب الأثر الناقل وهل هو حيازة الشيء أم مجرد اليد العارضة .
محل جريمة السرقة :
بالرجوع إلى نص المادة 350 ق ع يجب أن تقع السرقة على شيء غير مملوك للجاني
-يجب أن يكون محل السرقة شيئا : لا يقع الاختلاس إلا على شيء، فلا يقع الاختلاس على الإنسان الذي لا يكون محلا للسرقة بل للحجز أو القبض التعسفي أو للخطف وكل شيء غير ذلك قابل أن يكون محل سرقة، ولا يهم إن كان الشيء غير مشروع، فمن الجائز أن تنصب
السرقة على المخدرات. ويشترط أن يكون للشيء قيمة، فلا يصلح أن يكون محلا للسرقة أعقاب السجائر وأحجار الطرق.... الخ. ولكن لا يشترط أن تكون هذه القيمة تجارية أو مادية، كما هو الحال في جريمتي النصب وخيانة الأمانة، فقد تكون قيمة أدبية كالخطابات الحميمية وطوابع البريد المستعملة. كما لا يشترط أن تكون هذه القيمة كبيرة فقد تكون ضئيلة إذ لا تأثير لتفاهة الشيء مادامت له قيمة".
-يجب أن يكون محل السرقة مالا منقولا: من شروط جريمة السرقة أن يكون محلها مالا وهذا لا يكفي بل يجب أن يكون هذا المال منقولا حتى يمكن نقله وأخذه أو نزعه والاستيلاء عليه، ولم يشترط القانون أن يكون الشيء المختلس منقولا غير أنه من المتفق عليه فقها و قضاء أن المنقولات وحدها هي التي تصلح أن تكون محلا للسرقة لأن قاعدة الحيازة فيها سند الملكية .
-يجب أن يكون المال المنقول مملوك للغير: يشترط القانون لتوافر جريمة السرقة أن يكون الشيء المختلس مملوكا للغير أي مملوك لغير الجاني، ولا أهمية لتحديد الشخص المجني عليه وعدم الاهتداء إلى معرفته، ويكفي للعقاب أن يكون الشيء المسروق ليس مملوكا للمتهم بل مملوكا للمجني عليه قبل اختلاسه وإلى حين اختلاسه"
(2الركن المعنوي في جريمة السرقة :
السرقة جريمة عمدية أي تتطلب لقيامها توافر القصد الجنائي والقصد اللازم فيها هو القصد الجنائي الخاص بمعنى أنه لا يكفي أن يعلم الجاني وقت ارتكاب الفعل المادي (أخذ الشيء(
بأنه بهذا الفعل يختلس شيئا منقولا مملوكا للغير بدون رضائه، وإنما يلزم علاوة على ذلك أن تكون له نية خاصة وهي نية تملك ذلك الشيء
ثالثا : الإجراءات المتابعة في جريمة السرقة بين الازواج والاقارب والحواشي والاصهار:
نصت المادة 369 الفقرة1من ق. ع : " لا يجوز اتخاذ الإجراءات المتابعة الجزائية بالنسبة للسرقات التي تقع بين الأزواج والأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناء على شكوى الشخص المضرور والتنازل عن الشكوى يضع حدا لهذه الاجراءات "
إن تحريك الدعوى الجنائية لا يكون إلا بناء على شكوى المجني عليه في السرقة الذي أصابه الضرر بالاستيلاء على ما في حيازته من الأموال المنقولة، وهذا قيد معناه أن سلطات الضبط والتحقيق لا يمكنها اتخاذ الإجراءات الجزائية إلا بموجب شكوى المضرور ويمكن أن تكون الشكوى كتابية أو شفوية، ويمكن أن تقدم الشكوى وقت ارتكاب السرقة أو بعد ذلك مالم تكن الدعوى الجنائية قد سقطت بمضي المدة القانونية للتقادم .
كما تشير المادة 369 ق ع على أن الدعوى العمومية يمكن أن تتوقف بناء على طلب من المضرور فيمكن أن يرفع الدعوى وبع أن تباشر السلطات إجراءات التحقيق يتنازل عن دعواه، وبذلك تتوقف الدعوى العمومية ويضع حد لإجراءات المتابعة. أما في حالة تنازل المضرور عن دعواه بعد صدور الحكم القضائي بالإدانة، فهنا لا يملك المضرور التنازل عن شكواه ونص يتعلق تطبيقه على الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة.
ولا تعاقب المادة 368 ق. ع على السرقات التي ترتكب من الشخاص المبينين فيما بعد، ولا تخول إلا حق في التعويض المدني: الأصول إضرارا بأولادهم أو غيرهم من الفروع، الفروع إضرارا بأصولهم. غير أن هذه القاعدة لا تطبق إلا على الأشخاص المذكورين في المادة على سبيل الحصر وهم الزوجان والأصول والفروع بحيث لا يجوز التوسع في فهم النص القانوني وتطبيقه على من يسرق مال أخيه مثلا، ونلاحظ من خلال صياغة نص المادة 368 ق ع أن المشرع الجزائري رتب على القرابة المباشرة نتيجة يمتزج فيها انعدام المسؤولية الجزائية بقوله " لا يعاقب..." بالفعل المبرر بقوله:" لا يعاقب على السرقة..." وليس " لا يعاقب مرتكب السرقة"، أي أن عدم العقاب يخص الجريمة وليس مرتكب الجريمة، وكأن المشرع قد أباح جريمة السرقة، وتبعا لذلك فالأصل ألا تقوم المتابعة الجزائية وإذا قامت فالحكم يكون بالبراءة وليس بالإعفاء من العقوبة. ولا يستفيد من عدم العقاب الفاعلون الأخرون والمحرضون. أما الشريك الزوج أو الزوجة فلا يعاقب على أساس أن الاشتراك يقتضي فعلا رئيسيا معاقبا عليه، في حين أن الفعل الرئيسي أي السرقة المرتكبة من قبل الزوج أو الزوجة غير معاقب عليه، وهذا الحكم يصلح تطبيقه عندنا نظرا لتطابق التشريعين الفرنسي والجزائري بشأن هذه المسألة. كما لا يستفيد الفاعل الأصلي من عدم العقاب إذا كان الشريك يدخل ضمن حالات الإعفاء المقررة في المادة368ق.ع، ولا يستفيد من عدم العقاب مرتكبو جريمة الإخفاء. وفي حالة السرقة مع حمل سلاح بدون رخصة، يسأل الجاني المستفيد من الإعفاء المقرر في المادة 368ق.ع من أجل جنحة حمل سلاح بدون رخصة .
رابعا : العقوبة المقررة لجريمة السرقة بين الازواج والاقارب والحواشي والاصهار :
نصت المادة 350 من ق ع على أنه" كل من اختلس شيئا غير ملوك له يعد سارقا و يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج يجوز أن يحكم الجاني علاوة على ذلك بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر 1 لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر، و بالمنع من الإقامة طبقا للشروط المنصوص عليها في المادتين 12 و13 من هذا القانون.
الفرع الثاني: جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة
صنفت جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة ضمن جرائم الاعتداء على الأموال
أولا: تعريف جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة
لم يتناول المشرع الجزائري تعريف الجريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة إنما اكتفى بنص عليها في المادة 387 ق ع بقوله " كل من أخفى عمدا أشياء مختلسة أو مبددة أو محصلة من جناية أو جنحة في مجموعها أو في جزء منها..
ثانيا: أركان جريمة إخفاء أشياء متحصلة من الجريمة
تتكون هذه الجريمة من ركنين ركن مادي وركن معنوي
(1الركن المادي :
يتمثل النشاط المادي في هذه الجريمة بفعل إخفاء الأشياء المختلسة أو المبددة، ويقوم فعل الإخفاء بكل نشاط يقوم به الجاني يؤدي إلى الاتصال الفعلي بالشيء المتحصل من الجريمة مهما كان السبب أو الهدف منه ومهما كانت ظروفه وأحواله.
ويشترط في فعل الإخفاء أن يقوم الجاني بالاحتفاظ بالشيء سواء لمدة طويلة أو قصيرة، ويستوي أن يتم التسليم من الجاني مباشرة أو بواسطة شخص آخر مهما كان وصف هذا الأخير طالما أن المتسلم يعلم بأن هذا الشيء مسروق، ويشترط لأن يقوم الجاني بنشاط مادي إيجابي يتمثل في حجزه وتسلمه للشيء وإخفاءه له عمدا .
ولا تقوم جريمة إخفاء الأشياء إلا إذا كانت تلك الأشياء متحصلة من جناية أو جنحة والجريمة السابقة هي بالضرورة جريمة ارتكبها الغير اذ لا يمكن أن يكون الجاني سارقا ومخفيا لنفس الأشياء، غير أنه بالإمكان أن يكون الجاني شريكا ومخفيا للأشياء
(2الركن المعنوي :
ويتمثل في القصد الجنائي ولا يعاقب على الإخفاء إلا إذا كان عمدا، ما لمقصود بالعمد؟
جرى القضاء الفرنسي على أن مجرد علم المخفي بالمصدر الإجرامي للأشياء المخفاة يكفي لتوافر القصد الجنائي وحذا حذوه في ذلك القضاء الجزائري.
ويكفي أن يكون هذا العلم متوفرا في لحظة ما من حيازة الشيء المخفي، ولا يهم العلم بطبيعة الجريمة ولا بتاريخ ارتكابها ولا بمكانها ولا بمرتكبها الأصلي، كما لا يهم إن استفاد الجاني شخصيا من المبلغ المالي.
وبخصوص ميعاد سوء النية، استقر القضاء الفرنسي على عدم قيام الإخفاء في حق حائز الشيء الذي يحتفظ به علمه بمصدره الإجرامي بشرط أن تكون حيازته أصلا لذلك الشيء عن حسن نية، كمن يشتري شيئا عن حسن نية ويكتشف لاحقا أن مصدر الشيء إجرامي وهو قضاء جدير بالاحتذاء به.
ثالثا : إجراءات المتابعة في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة
طبقا لنص المادة 369 ق ع لا يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية بشأن جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجناية أو الجنحة التي بين الأزواج والأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناء على تقديم شكوى من الشخص المضرور، والتنازل عن الشكوى يضع حدا لهذه الإجراءات ولا يجوز على النيابة العامة على مستوى المحكمة أن تشرع في تحريك أو ممارسة الدعوى الجزائية المتعلقة بإخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة الواقعة من المتهم على أحد أقربائه أو أصهاره أو حواشيه ممن ورد ذكرهم في المادة 368 ق ع إلا بعد توافر شرط شكوى مسبقة من الضحية أي أن الشخص المضرور، أما إذا قامت النيابة العامة بإجراءات المتابعة دون مراعاة تحقيق أو توافر شرط الشكوى فإنا تكون قد خالفت القانون، وخرقت إجراء من الإجراءات الجوهرية، مما يسمح للمحكمة الناظرة في الدعوى أن تحكم بعد قبول الدعوى الجزائية وذلك لعدم توافر شرط الشكوى المحاولة يعاقب عليا إذا كان الإخفاء جناية ولا يعاقب عليا إذا كان جنحة والاشتراك يعاقب عليه وفق الشروط المنصوص عليها في قانون العقوبات.
رابعا : العقوبة المقررة لجريمة إخفاء أشياء متحصلة من الجريمة
نصت المادة 387 ق. ع " كل من أخفى عمدا أشياء مختلسة أو... أو متحصلة من جنحة أو جناية في مجموعها أو في جزء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 20,000 إلى 100.000 دج.
ويجوز أن تجاوز الغرامة 20.000 دج حتى تصل إلى ضعف قيمة الأشياء المخفاة ويجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 من هذا القانون لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر.
وكل ذلك مع مراعاة عدم الإخلال بأية عقوبات أشد إذا اقتضى الأمر في حالة الاشتراك في الجناية طبقا للمواد 42، 43، 44.
أما في حالة إذا كانت العقوبة المطبقة على الفعل الذي تحصلت عنه الأشياء المخفاة هي عقوبة جناية فقد نصت المادة 388 في حالة ما إذا كانت العقوبة المطبقة على الفعل الذي تحصلت عنه الأشياء المخفاة هي عقوبة جناية يعاقب المخفي التي يقررها القانون للجناية وللظروف التي كان يعلم ما وقت الاخفاء.
ومع ذلك فإن عقوبة الإعدام تستبدل بالنسبة للمخفي بعقوبة السجن المؤبد، ويجوز دائما الحكم بالغرامة المنصوص عليها في المادة 387 .
الفرع الثالث : جريمة النصب
جنحة النصب في قانون العقوبات الجزائري طبق للمادة 372 تعتبر من الجرائم المرتكبة ضد الأموال و سنتناولها بشيء من التفصيل من خلال لأركان و الإجراءات المتابعة و العقوبات المقررة لها.
أولا : تعريف جريمة النصب :
لم يتعرض المشرع الجزائري عند صياغته للمادة 372 من ق. ع لتعريف جريمة النصب وإنما اكتفى بتبيان الأفعال المكونة والظروف المشددة لهذه الجريمة وعلى العقوبات المطبقة في حق مرتكبها بقوله: " كل من توصل إلى استلام أو تلقى أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية أو وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث الأمل في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادثة أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع شيء منها" .
ثانيا : أركان جريمة النصب :
وتقوم جريمة النصب على ركنين أساسين هما الركن المادي والركن المعنوي:
(1الركن المادي : يتكون الركن المادي لجريمة النصب من ثلاثة عناصر وهي:
أ) استعمال وسيلة من وسائل التدليس :
لا يتم التدليس إلا إذا استعملت طريقة من الطرق التدلسية التي جاءت في م 372 ق ع على سبيل الحصر و هي :
-استعمال أسماء وصفات كاذبة : يتمثل استعمال اسم كاذب في واقعة تسمى باسم أو بالقب ليس من حقه التسمي به، بدون تميز ما إذا كان هذا الاسم أو اللقب ينتمي إلى الغير، أو أن يكون خياليا، لكن استعمال اسم الشهرة لا يعتبر استعمالا لاسم كاذب، أما بالنسبة للصفة الكاذبة فتكون بأن ينسب الشخص على نفسه صفة كاذبة أو شهادات أو مهنة كاذبة.
-استعمال طرق احتيالية: لا بد من أن يصحب الكذب أعمال مادية أو مظاهر خارجية يستعين بها الجاني لإقناع الضحية بصدق أقواله، والمظاهر الخارجية صورتان: و هما قيام ببعض الأعمال المادية التي يؤيد بها كذبه أو لاستعانة المتهم بشخص آخر.
و تتمثل الغاية من الطرق الاحتيالية في تحقيق غرض من الأغراض التي أوردها القانون في المادة 372 على سبيل الحصر و هي إيهام الناس بوجود مشاريع كاذبة ، إحداث الأمل في الفوز، إحداث الخشية من وقوع حادث أو واقعة وهمية .
ب) الاستيلاء على مال الغير :
تتم جريمة النصب بتحقيق نتيجتها و هي الاستيلاء على مال الغير، عرفت مادة 372 المال محل الجريمة ويتعلق الأمر بالأموال والمنقولات والسندات والتصرفات والأوراق المالية والوعود و المخالصات والابراءات من الالتزامات و يجب أن يتجسد التسليم في الواقع بالاستيلاء على شيء ملموس مادي سواء كان مالا أو سندا، و لا يقع النصب شأنه شأن السرقة إلا على منقول فلا يعتبر نصبا التوصل بالتدليس إلى الحصول على عقار، و يشترط كذلك أن يكون للمنقول قيمة مالية. و يبقى السؤال مطروحا بالنسبة للقيمة الأدبية و الراجح أن النصب يستبعدها هذا ما يوحي به النص ذاته، ولا يقع النصب كذلك إلا على مال الغير.
ج) العلاقة السببية بين التدليس والاستيلاء على المال :
أي النتيجة التي توصل إليها الجاني ما كانت لتحدث لولا مناوراته مع المجني عليه، و بناءا على ذلك فإن اكتشف المجني عليه مناورات الجاني ومع ذلك سلمه المال بنية الهبة أو صدقة فلا تقع الجريمة لأن المناورات هنا لم تمس الإرادة.
(2الركن المعنوي :
تتطلب جريمة النصب توافر القصد الجنائي العام والقصد الجنائي الخاص، يتمثل القصد العام في انصراف إرادة المتهم إلى تحقيق الجريمة بأركانها كاملة كما حددها القانون و هو عالم بذلك، و يتمثل القصد الخاص في نية المتهم في الاستيلاء على مال الغير، أما إذا كان الغرض من الاحتيال هو مجرد مزاح أو مداعبة أو مجرد منفعة عابرة فلا تقوم الجريمة.
ثالثا: إجراءات المتابعة في جريمة النصب :
تنص المادة 373 ق ع على "تطبق الإعفاءات والقيود الخاصة بمباشرة الدعوى العمومية المقررة بالمادتين 368 و369 على جنحة النصب المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 372.
و منه لا يجوز للنيابة العامة أن تقوم بتحريك الدعوى العمومية في جريمة النصب و الاحتيال إلا بناءا على شكوى مقدمة إليها كتابة أو شفاهه من الشخص الذي وقعت عليه جريمة النصب والاحتيال وذلك طالما ظهرت صفة من الصفات المذكورة في المادة 368 ق ع، بين المتهم و الضحية فإذا قام ممثل النيابة العامة باستعمال سلطة في ممارسة و متابعة إجراءات المحاكمة وقدم المتهم إلى المحكمة المختصة دون مراعاة و قبل توافر شرط الشكوى المقدم من محتل عليه نفسه أو من ممثله فإن المحكمة ستكون ملزمة بأن تحكم بعدم قبول الدعوى بسبب عدم احترام إجراء جوهري يتعلق بالنظام العام و هو إجراء تقديم شكوى مسبقة قبل مباشرة الدعوى العمومية.
رابعا: العقوبات المقررة لجريمة النصب :
تعاقب المادة 372 ق ع على جريمة النصب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة مالية من 20.000 إلى 100.000 دج وتطبق على جريمة النصب نفس العقوبات التكميلية المقررة لجنحة السرقة.
الفرع الرابع : جريمة خيانة الأمانة
أورد قانون العقوبات الجزائري هذه الجريمة في القسم الثالث من الفصل الأول. وهي من الجرائم التي قيد المشرع تحريك الدعوى العمومية فيها بشكوى من المجني عليه.
أولا: تعريف جريمة خيانة الأمانة
نصت المادة 376 من ق. ع على جريمة خيانة الأمانة، حيث جاء في نصها :" كل من اختلس أو بدد بسوء نية أوراقا تجارية أو نقدا أو بضائع أو أوراقا مالية أو مخالصات أو أية محررات أخرى تتضمن أو تثبت التزاما أو إبراء لم تكن قد سلمت إليه إلا على سبيل الإجارة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو لأداء عمل يؤجر أو بغير أجر بشرط ردها أو تقديمها أو استعمالها أو استخدامها في عمل معين وذلك اضرارا بمالكيها أو واضعي اليد عليها أو حائزيها يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة...."
ثانيا: أركان جريمة خيانة الأمانة
تقوم جريمة خيانة الأمانة كغيرها من الجرائم على ثلاثة أركان هي الركن الشرعي، الركن المادي والركن المعنوي.
(1الركن الشرعي :
طبقا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فجريمة خيانة الأمانة تم النص عليها ضمن قواعد قانون العقوبات في مادته 376 ق ع على جنحة خيانة الأمانة، وفي مادته 379 ق ع على جناية خيانة الأمانة، ومن خلال هذا النص يتحقق الركن الشرعي كما أنه يضع حدودا للركن للمادي والركن المعنوي
(2الركن المادي :
يتكون الركن المادي من أربعة عناصر هي:
أ) لاختلاس أو التبذير : الاختلاس هو أن يأتي الجاني فعلا يضيف به الشيء إلى ملكه، بشرط ألا يخرج شيء عن حيازته، و يعد مختلسا لأنه غير حيازته الناقصة إلى كاملة أصبحت نظرته للمال نظرة مالك أما التبذير فيتحقق بفعل يخرج به أمين الشيء الذي به أؤتمن عليه من حيازته باستهلاكه أو بالتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو المقايضة أو الرهن...الخ
ب (بمحل جريمة خيانة الامانة : بالتمعن في المادة 376 ق. ع نجد أن الأشياء التي يمكن أن تكون محلا لجريمة خيانة الأمانة هي الأوراق التجارية، النقود، البضائع، الأوراق المالية، المخالصات، أو أية محررات أخرى تتضمن أو تثبت التزاما أو إبراء. فمحل جريمة خيانة الأمانة يخص المنقولات المادية وغير المادية، ولا يتعدى إلا العقارات.
ج) تسليم الشيء : لا تقوم جريمة خيانة الأمانة إلا إذا سلم الشيء المختلس أو المبدد للجانح بمقتضى أحد العقود المنصوص عليها في المادة 376 ق. ع، أي تحت صفة مؤقتة، فالتسليم المؤقت ينتج من عبارات بشرط ردها أو تقديمها أو استعمالها أو استخدامها في عمل معين "فالمقصود بالتسليم المؤقت هو نقل حيازة الشيء إلى الحائز مؤقتا ". والعقود المنصوص عليها في المادة 376 ق. ع والتي جاءت على سبيل الحصر وهي: عقد الايجار نصت عليه المادة 467 من ق م، عقد الوديعة نصت عليه المادة 590 منق. م، عقد الوكالة ،عقد الرهن الحيازي، عقد الاعارة او العارية عرفته المادة 538 من ق.م، عقد العمل باجر او بدون اجر.
د) الضرر: طبقا للمادة 376 ق. ع يجب أن يرتكب الاختلاس أو التبذير بسوء نية إضرار بالمالكين أو الحائزين أو واضعي اليد، والضرر يتمثل في الأضرار المادية والمعنوية التي تقع على مالك نتيجة قيام المؤتمن بخيانة الأمانة سواء بالاختلاس أو التبديد.
ولا يشترط تحقق الضرر، بل يكفي أن يكون وقوعه محتملا، ولا يشترط أن يكون الضرر ماديا بل تقع الجريمة ولو كان الضرر أدبيا، كما في تبديد الأوراق الشخصية.
(3الركن المعنوي :
بصفة عامة يتحقق القصد الجنائي عندما يقبل الشخص بصفة إرادية على فعل شيء وهو يعلم أنه ممنوع، وبصفة خاصة يتحقق القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة عندما يتصرف الحائز في الشيء المسلم إليه تصرف المالك وهو يعلم أن الشيء سلم إليه بصفة مؤقتة وعلى شرط الرد وإن هذا من شأنه إحداث ضرر للغير.
ثالثا: إجراءات المتابعة في جريمة خيانة الأمانة :
نصت المادة 377 ق. ع على أن الإعفاءات والقيود الخاصة بمباشرة الدعوى العامة المقرر بالمادتين 368, 369 ق. ع تطبق على جنحة خيانة الأمانة المنصوص عليها في المادة 376 ق ع المحاولة غير معاقب عليها في جريمة خيانة الأمانة وهذا أمر معقول لأن محل الجريمة أي الشيء المسلم موجود تحت تصرف الجاني وله إذن من الوقت ما يكفي لتنفيذ جريمة كاملة.
أما المحاولة في حالة الجناية في معاقب عليها بمقتضى المادة 30 الفقرة 1 ق ع وهي تتم بالشروع وعدم التخلي الإرادي. يستفيد الجاني من الإعفاءات الواردة في المادتين 368 و369 ق ع وتتقادم الدعوى العمومية في جريمة خيانة الأمانة بمضي ثلاث سنوات بصفتها جنحة (المادة 8 ق إ ج) ابتداء من يوم الاختلاس باعتبار الجريمة فورية، لكن على الصعيد العملي يبدأ سريان الأجل من يوم اكتشاف مناورات التستر .
رابعا: العقوبات المقررة لجريمة خيانة الأمانة :
(1العقوبات الأصلية : تعاقب المادة 376 على جريمة خيانة الأمانة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 20.000 إلى 100.000 دج.
(2العقوبات التكميلية : هي نفس العقوبات المقررة لجنحتي السرقة والنصب، وتتمثل في الحرمان من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية المنصوص عليها في المادة 9 مكرر 1 لمدة أقصاها 5 سنوات، والمنع من الإقامة لمدة سنة على الأقل و5 سنوات على الأكثر، وهي عقوبات جوازيه.
الفرع الخامس : جريمة الاختلاس :
تجدر الاشارة إلى إن فعل الاختلاس بمختلف صوره يحكمه قانون مكافحة الفساد الصادرة بتاريخ 2006-02-20 بعد الغاء المادة 119 قانون ع التي كانت تجرم هذا الفعل ونقل محتواها المادة 29 من قانون مكافحة الفساد بالنسبة للموظفين العمومين و المادة 41 بالنسبة للاختلاس في القطاع الخاص.
حيث نصت المادة 29 من ق الوقاية من الفساد ومكافحته "يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1000.000 دج كل موظف عمومي يختلس او يتلف او يبدد او يحتجز عمدا و بدون و جه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه او لصالح شخص او كيان ، اية ممتلكات أو اموال أو اوراق عمومية او خاصة او اي اشياء أخرى ذات قيمة عهد بها اليه بحكم وظائفه أو بسبها كما تنص المادة 41 من نفس القانون "يعاقب بالحبس من ستة 6 اشهر الى خمس 5 سنوات و بغرامة 50.000 إلى 500.000 دج كل شخص يدير كيانا تابعها للقطاع الخاص أو يعمل فيه باي صفة اثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري ، تعمد اختلاس اية ممتلكات أو اموال أو اوراق مالية خصوصية أو اي اشياء أخرى ذات قيمة عهد بها اليه بحكم مهامه
أما فيما يخص المتابعة في جريمة الاختلاس فان الاصل العام إن المتابعة الجزائية سواء لذات الاجراءات القانونية التي تحكم جرائم القانون العام في القطاع العام او الخاص يخضع غير انه بالرجوع إلى الأمر15-02 المؤرخ في 23 يونيو 2015 نصت الاحكام المادة 3 منه على انه يتم الأمر 66-155 المتضمن ق إ ج وتحدد المادة 6 مكرر ، كما يأتي" لا تحرك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأس مالها مختلط عن اعمال التسيير التي تؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أو اموال عمومية أو خاصة إلا بناء على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسسات المنصوص عليها في القانون التجاري و في التشريع الساري المفعول .
" يتعرض أعضاء الهيئات الاجتماعية للمؤسسة الذين لا يبلغون عن الوقائع ذات الطابع الجزائي للعقوبات المقررة في التشريع الساري المفعول
" يستخلص من هذا النص ان السلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات الاقتصادية سواء كان رأس مالها كله أو جزء منه ملك الدولة مقيدة بشكوى ، بمعنى ان هذه الجريمة اصبحت من جرائم الشكوى.